معه ، في محاولة الضغط عليه بمختلف الوسائل التي يملكونها ، ورفضهم الاستجابة له وإعراضهم عن الانفتاح على دعوة الإيمان في دعوته ، فلم يدخلوا في حوار معه ولم ينفتحوا على آفاق رسالته ؛ بل أصمّوا أسماعهم عن كل نداء للداعية ، فما كان منه إلا أن أخذ زمام المبادرة في تحويل الموقف إلى خط جديد للحركة الفاعلة من موقع التحدّي الذي يعلن عن نفسه في ابتداء المسيرة نحو الله.
* * *
طريق طويلة شاقة
ودرس عيسى عليهالسلام الموقف ، وأدرك طبيعته من خلال نوعيّة القرار ، وعرف أن القضية ميؤوس منها ، ما عدا الطليعة المؤمنة الواعية من حواريّيه الذين استجابوا لدعوته وأقبلوا على ندائه ؛ فأطلق الدعوة في شكل نداء يوجهه إلى الجميع ، وهو يعرف من الذي يستجيب له ، ليتميز المؤمنون من الكافرين ، ولتتم عمليّة الفرز على أساس طبيعة الموقف : (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ). إن الرحلة طويلة معقّدة شاقة ، ولا بدّ للسائرين فيها من طاقة إيمانية عظيمة ، تثبت أمام الشدائد والأهوال ، وتصمد أمام التحديات ، وتواجه العقبات بعزم وصبر وإيمان ... لأن المعركة قد تسلب من الإنسان أمنه وثروته وراحته ، وربما تسلب منه حياته في بداية الشوط أو نهايته ، والمطلوب أن لا تسلبه إيمانه حتى يواجه به العقبات بعزم وصبر.
وكان الفرز الإيماني جاهزا في الساحة ، فها هم الحواريون الذين فتحوا قلوبهم للرسول ، وعاشوا حركة رسالته في روحانية وفكر ومعاناة ، وأدركوا ما ينتظرهم من نعيم الآخرة ورضوان الله أمام ما ينتظرهم من عقبات وشدائد وأهوال ... استجابوا في كلمات حاسمة تهزّ الساحة بالعزم والتصميم والإرادة :