وقد يلاحظ على ذلك بأن عيسى عليهالسلام تكلّم بكلام مفيد بالطريقة العقلانية شكلا ومضمونا في أول ولادته ، وذلك هو قوله تعالى في سورة مريم : (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا* يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا* فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) [مريم : ٢٧ ـ ٢٩].
وهناك ملاحظة أخرى ، وهي أنه قد يقال : إن الله عبّر بكلمة «يخلق» هنا ، بينما جاء التعبير في قصة زكريا بقوله : (كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) ، فما هو وجه الاختلاف؟
وقد يجاب بأن حالة زكريا ليست حالة غير طبيعية في علاقة المسبب بالسبب ، لأن الولادة ـ على تقديرها ـ تحصل بالطريقة الطبيعية للتناسل ، لكن هنا مانعا يمنع من فعليتها وهو الشيخوخة والعقم ، أما حالة مريم فإنها تخالف طبيعة القانون العام لولادة الإنسان لأنها بلا زوج ، مما يجعل القضية لديها قضية «خلق» ، بينما هي في قضية زكريا قضية «فعل» من خلال رفع المانع ، ولكن في هذه الملاحظة تأمّلا ، لأن مسألة الخلق صادقة على وجود الإنسان ، سواء كان ذلك بالطريقة الطبيعية في القانون العام أو بالطريقة الخارقة للعادة ، فقد عبّر الله عن خلق آدم عليهالسلام وعيسى عليهالسلام كما عبر به عن خلق الإنسان بالطريقة العادية ، وذلك هو قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩].
* * *