وفيه أيضا عن سفيان عن الأعمش عن عبد الله ، قال : «قال رسول الله : من حلف على يمين ، وهو فيها فاجر ، ليقطع بها مال امرئ مسلم ، لقي الله وهو عليه غضبان ، فقال الأشعث بن قيس : فيّ والله ، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض ، فجحدني ، فقدمته إلى النبي ، فقال : لك بيّنة؟ قلت : لا ، فقال لليهودي : أتحلف؟ قلت : إذن يحلف ، فيذهب بمالي. فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) الآية» (١).
إننا ـ في منهجنا التفسيري ـ لا نجد لدينا أيّة نصوص موثقة كثيرة مما رواه الرواة في أسباب النزول ، لضعف أسانيد بعضها وإرسال بعضها الآخر فيمكن أن تكون أمورا اجتهادية طرحت بشكل رواية ، وأن تكون منطلقة من أجواء معينة ، لذلك فإننا لا نعتمدها كموثقة تفسيرية ـ في تفسير القرآن ـ ولكننا نقف عندها ، باعتبارها نموذجا من نماذج ذهنية بعض المفسرين القدامى في فهم النص القرآني وتحليله. ومن خلال هذه الملاحظة نجد أن الروايتين الأوليين أقرب إلى جو النص في الآية من الرواية الثالثة ، لأن سياق الآيات هو سياق الحديث عن أهل الكتاب في موقفهم من الرسالة الإسلامية ومن نبوّة النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنكارهم ما جاء في صفته في التوراة في محاولتهم لإخفاء ذلك كله ، خلافا لما عاهدوا الله عليه في إيمانهم الديني من تبيانهم الحق الذي أوصى الله به وعدم كتمانه ، وهو مظهر لتمردهم على الله في أيمانهم المغلظة ضد النبي والقرآن ، ليحصلوا من خلال ذلك على الموقع المميز بين اليهود ، لأن دخلوهم في الإسلام وإقرارهم بالحث قد يعرّضهم لفقدان ذلك ، لأن جماعتهم سوف يرتبطون بالنبي بشكل مباشر دون غيره من هؤلاء الزعماء الذي عرفوهم بالانحراف والخداع ؛ والله العالم.
* * *
__________________
(١) أسباب النزول ، ص : ٦٠ ـ ٦١.