الجدل ولو بالباطل ، فإن القضية ليست قضية ربح الساحة على كل حال ؛ بل لا بدّ من أن يملك قوّة الحجّة بالحق ، لأن الهدف هو الوصول إلى خط الهدى في حياة الإنسان ، وذلك بأن نقوده إلى الموقف الحق في العقيدة والشريعة والحياة ...
وهذا ما دعا الإمام جعفر الصادق عليهالسلام إلى نقد أحد أصحابه الذي كان يجادل خصمه بالحق والباطل ـ والإمام يستمع إليه ـ فقال له : «يمزج الحقّ بالباطل ، وقليل من الحق يكفي عن كثير من الباطل» (١).
وقد خاطب الله أهل الكتاب ـ في هذا الخط المنهجي ـ بأنهم انحرفوا عن الخط الصحيح في نهاية المطاف ، فقد كانوا يحاجّون في ما يملكون أمر المعرفة به مما اطلعوا عليه من التوراة أو الإنجيل ، وليس في ذلك أيّ بأس ، ولكنّ الأمر تطوّر عندهم في خط منحرف إلى أن بدأوا يجادلون في ما لا يملكون العلم به ، إمّا لأنه لا يخضع لأيّ أساس ، ولا يقف مع أيّة حقيقة ، وإمّا لأنهم لا يملكون أمر الإحاطة به والوصول إلى نهاياته. وهذا أمر لا يسمح به منطق العلم والحوار ، فإن عليهم إذا لم يحيطوا بعلم شيء ما ، أن يحاولوا الوصول إليه بالمعرفة من خلال وحي الله ، فإن الله يعلم بحقائق الأشياء ، وأنتم لا تعلمون إلّا البسيط الذي علّمكم إيّاه ...
وهذا ما ينبغي لنا أن نخاطب به الآخرين من خصوم الإسلام الذين يوجهون إليه الاتهامات الباطلة عن غير علم ، ويثيرون الشبهات حوله من موقع الجهل ، لنقودهم ـ بمختلف أساليب الإنكار والإحراج التي تكشف عن جهلهم ، وتخبّطهم بالباطل ـ إلى السير في خط المعرفة الإسلامية من مصادرها الأصيلة ، ولندفعهم إلى الاستماع إلى الحجة والبرهان بأقرب طريق ...
ولا بدّ لنا ـ إلى جانب ذلك ـ من الالتفات إلى العاملين في سبيل الله ، وتوجيههم إلى دراسة مبادئ خصومهم ، بالإضافة إلى مبادئ الإسلام ،
__________________
(١) البحار ، م : ١٦ ، ج : ٤٨ ، ص : ١٢٨ ، باب : ٨ ، رواية : ٧.