عيسى عليهالسلام التي أوضحها الله سبحانه في كتابه ، في موضوع بشريته التي تبتعد به عن الألوهية في أي جانب من الجوانب ، هي الحق الذي لا مجال لإنكاره ، لأنه يرتكز على منطق العقل ومنطق الوحي. فإن الله هو الإله الواحد الذي لا شريك له ، وهو العزيز الذي لا ينال أحد من عزّته في أي شأن من شؤون القوة ، لأن القوة له في كل شيء ، وهو الحكيم في ما يقدره في خلقه من تنوّع الأسباب في مظاهر قدرته في خلق الإنسان في نموذج آدم وعيسى وبقيّة أفراد الإنسان ، فإنّ هذا هو الحق ، فادع إليه ـ يا محمد ـ وأثر لهم كل أساليب الإقناع في ما ألهمك الله من الحجة والبرهان.
(وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) فهذه هي الحقيقة التوحيدية التي تنفي كل ربوبية لغيره ، لأنه ـ وحده ـ الخالق لكل شيء ، فكيف يكون المخلوق له شريكا في ربوبيته ، (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الذي تنطلق عزته من قوّته وقدرته ، فلا يملك أحد أن ينقص منها ، وتتحرك حكمته من علمه فلا يعزب عنه شيء. وقد تحدث الله عن عزته وحكمته ـ هنا ـ للتدليل على أن الإله لا بد من أن يكون العزيز في كل مواقع العزة ، فلا يملك أحد القوة معه أو فوقه ، ولا بد من أن يكون الحكيم لينطلق خلقه في السنّة الإلهية التي تعطي كل موجود حاجته وتضع كل شيء موضعه ، لينتظم الوجود كله بكل موجوداته في النظام الكوني الذي تتكامل فيه الأشياء ، فلا ينحرف بعضها عن الخط بحيث يؤدي إلى اختلال الخلق كله.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) وأعرضوا فلم ينفتحوا عليك من خلال الدعوة ، ولم يستجيبوا لك في خط الحوار الذي يوصل المتحاورين إلى الحقيقة ، وذلك بالهروب منه ، أو بالدخول في الجدل الفارغ والمهاترات وغير ذلك مما لا يؤدي إلى نتيجة. فلا تلتفت إلى إعراضهم ، ولا تضعف أمام ذلك كله ، فإن ذلك سوف يعبر عن حقيقة سلبية في مضمون إنسانيتهم في الطاقات التي منحهم الله إياها ، وجعلها في تصرفهم وطوع إرادتهم ، ليوجهوها إلى الصلاح ليقوموا بإصلاح أنفسهم في معنى العقيدة ، وحياتهم في خط الشريعة ، وعلاقاتها بالكون والحياة وببعضهم البعض ، في امتداد الحياة ، وإصلاح الواقع من حولهم من خلال دورهم الفاعل