الإنسانية ؛ فليست هناك إنسانية في الدرجة الفوقية وأخرى في الدرجة التحتية من حيث الذات ، بل إن التمايز ينطلق من الصفات المكتسبة أخلاقا وفكرا وعملا.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا) وأعرضوا عن هذا الخط المشترك ، ولم ينسجموا مع هذه الروح التي تجمع ولا تفرّق وتقرّب ولا تبعّد ؛ فلا تتشنّج منهم ولا تحقد عليهم ، بل حاول أن تواجههم بالموقف النفسي الحاسم ، (فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) وذلك بالإعلان عن الموقف الحق ، الذي يحمّلهم المسؤولية من خلال تحميلهم مسئولية الشهادة أمام الله ، بأن النبي وأتباعه مسلمون في كل ما يعتقدون وما يقولون وما يفعلون ، فلم ينطلقوا من عقدة الذات أو الحقد ، أو اللعب بالكلمات والمواقف ... بل انطلقوا في هذا الموقف الصلب من موقع إسلامهم لله في الفكر والقول والعمل ... هذا الإسلام الذي يفتح قلوبهم على الحياة وعلى الإنسان من خلال انفتاحه على الله سبحانه .. وربما كانت قيمة هذا الأسلوب في الإعلان عن الموقف بعد إقامة الحجة على الطرف الآخر ، هو الإيحاء بقوّة الموقف ، وعدم الانهزام أمام الحالات السلبية أو الأوضاع الاستعراضية التي يقوم بها الطرف الآخر من أجل تحطيم أعصاب الداعين إلى الله والعاملين في سبيله.
وهكذا يعطي الإسلام للحوار خاتمته من دون أن يغلق بابه أو يسيء إلى الآخرين ، بل كل ما هناك أنه يحاول التأكيد لهم بأن إعراضهم لا يغيّر من الموقف شيئا لأنه لم ينطلق من خلال قناعات الآخرين وتشجيعهم ، بل من داخل القناعة الذاتية المرتكزة على وضوح الرؤية ، مما يجعل من استمراره نقطة تحدّ حاسمة. وفي ضوء ما قلنا آنفا ، ليس هذا الطرح في أسلوب الحوار منطلقا من خصوصية أهل الكتاب ، بل هو مستمدّ من المنهج العام للأسلوب الإسلامي الذي يؤكد على نقاط اللقاء في رحلة الوصول إلى الحقيقة ، ولا يؤكد على نقاط الخلاف إلّا في نهاية المطاف.
* * *