أنه لا يخاف الله ولا يرجو الجنّة ولا يخشى النار ، ولا يركع ولا يسجد ، ويأكل الميتة والدم ويشهد بما لم ير ويحبّ الفتنة ، ويكره الحق ويصدّق اليهود والنصارى ، وأن عنده ما ليس عند الله وله ما ليس لله ، وأنا أحمد النبي وأنا علي وأنا ربّكم ، فقال له عمر : ازددت كفرا على كفرك ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : هوّن عليك يا عمر ، فانّ هذا رجل من أولياء الله لا يرجو الجنة ، ولكن يرجو الله ولا يخاف النار ، ولكن يخاف ربّه ولا يخاف الله من ظلم ، ولكن يخاف عدله لأنّه حكم عدل ، ولا يركع ولا يسجد في صلاة الجنازة ويأكل الجراد والسمك ، ويحبّ الأهل والولد ويشهد بالجنّة والنار ، ولم يرهما ويكره الموت وهو الحق ، ويصدّق اليهود والنصارى في تكذيب بعضهم بعضا ، وله ما ليس لله لأن له ولدا وليس لله ولد ، وعنده ما ليس عند الله ، فإنّه يظلم نفسه وليس عند الله ظلم ، وقوله : أنا أحمد النبي ، أي أنا أحمده عن تبليغه الرسالة عن ربّه ، وقوله : أنا علي يعني علي في قولي وقوله ، وأنا ربّكم أي لي كم أرفعها وأضعها.
ففرح عمر وقام فقبّل رأس أمير المؤمنين عليهالسلام وقال : لا بقيت بعدك يا أبا الحسن (١).
ومن ذلك أن ابن الكوا قدم إلى أمير المؤمنين وهو يخطب فقال : إنّي وطأت على دجاجة ميتة فخرجت منها بيضة أفآكلها؟ قال : لا ، قال : فإن استفرختها فخرج منها فروخ فآكله؟ فقال : نعم. فقال : كيف ذاك؟ فقال : لأنّه حي خرج من ميت ، وتلك ميتة خرجت من ميت (٢).
أقول : وكيف لا يكون ذاك كذلك؟ وقد روى الحسن البصري أن الخضر لما التقى بموسى وكان بينهما ما كان جاء عصفور فأخذ قطرة من البحر فوضعها على يد موسى فقال الخضر : ما هذا؟ قال : يقول ما علمنا وعلم سائر الأولين والآخرين في علم وصي النبي الأمّي إلّا كهذه القطرة في هذا البحر (٣).
وروى ابن عباس عنه أنه شرح له في ليلة واحدة من حين أقبل ظلامها حتى أسفر صباحها وطفى مصباحها في شرح الباء من بسم الله ولم يتعد إلى السين ، وقال : لو شئت
__________________
(١) بحار الأنوار عن المناقب : ٤٠ / ٢٢١ ح ٤ والحديث طويل.
(٢) شرح الأخبار للقاضي : ٢ / ٣٢٤ ، ومناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٩٦ وفيهما : استحضنتها.
(٣) بحار الأنوار : ٤٠ / ١٨٦ ح ٧١.