وقال ابن الجوزيّ (١) : كان صبورا على القراءة عليه ، وكان شيخا صالحا كثير الذكر والتّهجّد والبكاء ، على سمت السّلف. وعزم في هذه السّنة على الحجّ ، وهيّأ ما يحتاج إليه فمات (٢).
وقال الحافظ يوسف بن أحمد في «الأربعين البلديّة» له ، ومن خطّه نقلت : ولمّا رحلت إلى شيخنا شيخ الوقت ومسند العصر ورحلة الدنيا أبي الوقت ، قدّر الله لي الوصول إليه في آخر بلاد كرمان على طرف بادية سجستان ، فسلّمت عليه وقبّلته ، وجلست بين يديه ، فقال لي : ما أقدمك هذه البلاد؟
قلت : كان قصدي إليك ، ومعوّلي بعد الله عليك. وقد كتبت ما وقع إليّ من حديثك بقلمي ، وسعيت إليك بقدمي لأدرك بركة أنفاسك ، وأحظى بعلوّ إسنادك.
فقال : وفقك الله وإيّانا لمرضاته ، وجعل سعينا له ، وقصدنا إليه ، لو كنت عرفتني حقّ معرفتي لما سلّمت عليّ ، ولا جلست بين يديّ. ثمّ بكى بكاء طويلا وأبكى من حضره ، ثمّ قال : اللهمّ استرنا بسترك الجميل ، واجعل تحت السّتر ما ترضى به عنّا. وقال : يا ولدي ، تعلم أنّي رحلت أيضا لسماع الصّحيح ماشيا مع والدي من هراة إلى الدّاوديّ ببوشنج ، وكان لي من العمر دون عشر سنين ، فكان والدي يضع على يديّ حجرين ويقول : احملهما فكنت من خوفه أحفظهما بيديّ ، وأمشي وهو يتأمّلني ، فإذا رآني قد عييت أمرني أن ألقي حجرا واحدا ، فألقيه ويخفّ عني ، فأمشي إلى أن يتبيّن له تعبي ، فيقول لي : هل عييت؟
__________________
(١) في المنتظم ١٠ / ١٨٣.
(٢) وقال ابن الأثير : وكان قدم إلى بغداد سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة يريد الحج ، فسمع الناس بها عليه «صحيح البخاري» ، وكان عالي الإسناد ، فتأخّر لذلك عن الحجّ ، فلما كان هذه السنة عزم على الحجّ فمات. (الكامل ١١ / ٢٣٩).