فأخافه فأقول : لا.
فيقول : لم تقصّر في المشي؟
فأسرع بين يديه ساعة ، ثمّ أعجز ، فيأخذ الحجر الآخر من يدي ويلقيه عنّي ، فأمشي حتّى أعطب ، فحينئذ كان يأخذني ويحملني على كتفه (١).
وكنّا نلتقي على أفواه الطّرق بجماعة من الفلّاحين وغيرهم من المعارف ، فيقولون : يا شيخ عيسى ، ادفع إلينا هذا الطّفل نركبه وإيّاك إلى بوشنج ، فيقول : معاذ الله أن نركب في طلب أحاديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورجاء ثوابه والانتفاع به.
وكان ثمرة ذلك حسن نيّة والدي ، رحمهالله ، أنّي انتفعت بسماع هذا الكتاب وغيره ، ولم يبق من أقراني أحد سواي ، حتّى صارت الوفود ترحل إليّ من الأمصار.
ثمّ أشار إلى صاحبنا عبد الباقي بن عبد الجبّار الهرويّ أن يقدّم لي شيئا من الحلواء ، فقلت : يا سيّدي قراءتي بجزء عليّ بن الجهم أحبّ إليّ من أكل الحلواء. فتبسّم وقال : إذا دخل الطّعام خرج الكلام. وقدّم لنا صحنا فيه حلواء الفانيذ. فأكلنا ، ثمّ أخرجت الجزء وسألته إحضار الأصل ، فأحضره وقال : لا تخف ولا تحرص ، فإنّي قد قبرت ممّن سمع عليّ خلقا ، فسل الله السّلامة. فقرأت الجزء وسررت به ، ويسّر الله سماع «الصّحيح» وغيره مرارا ، ولم أزل في صحبته وخدمته إلى أن توفّي في بغداد في ليلة الثّلاثاء من ذي القعدة.
قلت : بيّض لليوم ، وهو سادس الشّهر.
__________________
(١) وقال أبو سعد بن السمعاني : سمعت أن والده عيسى حمله على رقبته من هراة إلى بوسنج ، وسمّعه «مسند الدارميّ» ، و «صحيح البخاري» ، و «المنتخب من حديث عبد بن حميد» ، وسمعت أن والده سمّاه محمدا فسمّاه الإمام عبد الله الأنصاري :
عبد الأول ، وكنّاه بأبي الوقت.