كلّهم : سمعنا وأطعنا. وضجّوا ضجّة واحدة بذلك ، ففزع الغلام ، وبال على كتف عبّاس من الفزع. وسمّوه الفائز ، وسيّروه إلى أمّه ، واختلّ عقله من تلك الصّيحة فيما قيل ، فصار يتحرّك في بعض الأوقات ويصرع. ولم يبق على يد عبّاس يد ، ودانت له الممالك (١).
وأمّا أهل القصر فإنّهم اطّلعوا على باطن القضيّة ، فأخذوا في إعمال الحيلة في قتل عبّاس وابنه ، فكاتبوا طلائع بن رزيك الأرمنيّ والي منية بني خصيب (٢) ، وكان موصوفا بالشّجاعة والرأي ، فسألوه النّصرة ، وقطعوا شعور النّسوان والأولاد ، وسيّروها في طيّ الكتاب ، وسوّدوا الكتاب. فلمّا وقف عليه اطلع من حوله من الجند عليه ، وأظهر الحزن ، ولبس السّواد ، واستمال عرب الصّعيد ، وحشد وجمع. ثمّ كاتب أمراء القاهرة في الطّلب بدم الظافر ، فوعدوه بما يحبّ فسار إلى القاهرة ، فلمّا قرب خرج إليه الأمراء ، والجند ، والسّودان ، وبقي عباس في نفر يسير ، فهرب هو وابنه وغلمانه والأمير أسامة بن منقذ (٣).
وقيل هو الّذي أشار عليهما بقتل الظّافر (٤) ، والعلم لله.
فنقل ابن الأثير (٥) قال : اتّفق أنّ أسامة بن منقذ قدم مصر ، فاتّصل بعبّاس ، وحسّن له قتل زوج أمّه العادل عليّ بن السّلّار فقتله ، وولّاه الظّافر الوزارة ، فاستبدّ بالأمر ، وتمّ له ذلك (٦).
__________________
(١) أخبار الدول المنقطعة ١٠٨ ، وفيات الأعيان ٣ / ٤٩٢ ، نزهة المقلتين ٧٠.
(٢) في الكامل : «حصيب» بالحاء المهملة ، والمثبت يتفق مع : أخبار الدول المنقطعة ، والانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق ، ق ٢ / ٢١ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٤٩٢ ، وأخبار مصر لابن ميسّر ٢ / ٩٤.
(٣) أخبار الدول المنقطعة ١٠٨ ، ووفيات الأعيان ٣ / ٤٩٢ ، أخبار مصر لابن ميسّر ٢ / ٩٤ ، نزهة المقلتين ٧٠ ، ٧١.
(٤) نزهة المقلتين ٧٢.
(٥) في الكامل ١١ / ١٩١.
(٦) أخبار مصر لابن ميسّر ٢ / ٩٢ ، نزهة المقلتين ٧٢ ، ٧٣.