فهذا أمر لا يُجزم بعدم وقوعه ، فلا يصح نفيه ، ولا سيما أن الأحاديث التي سقناها إليك آنفاً قد دلَّت على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كثيراً ما كان ينتجي عليّا عليهالسلام فيخصّه بما شاء ، وكان علي عليهالسلام يسأل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيجيبه ، بل كان يبتدءوه بالتعليم ابتداءً فيفيده ، وكان أمير المؤمنين عليهالسلام يكتب بعض ما سمعه من حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وعليه فلا استبعاد ولا غرابة في أن يكون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أملى على أمير المؤمنين عليهالسلام صحيفة جامعة في الحلال والحرام ، ولا سيما أن بعض الأحاديث الصحيحة قد نصَّت على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أراد أن يكتب للأمّة كتاباً ، فحِيل بينه وبين كتابة ذلك الكتاب.
فقد أخرج البخاري واللفظ له ومسلم وأحمد وابن حبان وغيرهم عن ابن عباس ، قال : لما حُضِر (١) رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلُّوا بعده. فقال عمر : إن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله. فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قرِّبوا يكتب لكم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كتاباً لن تضلُّوا بعده. ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغط عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال رسول الله
__________________
(١) أي حضره الموت.