ذكره ، إلّا أن يقول قائل : أبو بكر. ثمَّ ملك أخو عديّ ، فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتّى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : عمر. وإنَّ ابن أبي كبشة لَيصاح به كلّ يوم خمس مرَّات : «أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله» ، فأيّ عمل يبقى؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا! لا أباً لك! لا والله إلّا دفناً دفناً (١).
وعن علي عليهالسلام أنّه قال حين سأله بعض أصحابه من بني أسد : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟ فقال : يا أخا بني أسد ؛ إنّك لقلق الوضين ترسل في غير سدد! ولك بعد ذمامة الصهر وحق المسألة ، وقد استعلمت فأعلم : أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام ـ ونحن الأعلون نسباً ، والأشدّون برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نوطاً ـ فإنّها كان أثَرِةٌ شحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم الله والمعود إليه يوم القيامة.
ودع عنك نهباً صـيح في حجراته |
|
وهـلم الخـطب في ابن أبي سـفيان |
فلقد أضحكني الدهر بعد ابكائه ، ولا غرو والله فياله خطباً يستفرغ العجب ويكثر الأود ، حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه ، وسدّ فواره من ينبوعه. وجدحوا بيني وبينهم شرباً وبيئاً. فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوى أحملهم من الحقّ على محضه وإن تكن الأُخرى (فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (٢) (٣).
وجاء عن معاوية أنّه قال لما سمع المؤذّن يقول «أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله» : لله أبوك يا بن عبدالله! لقد كنتَ عالي الهمَّة ، ما رضيتَ لنفسك إلّا أن يُقرَنَ اسمك
__________________
(١) الأخبار الموفّقيّات للزبير بن بكّار : ٥٧٦ ـ ٥٧٧ ؛ مروج الذهب ٤ : ٤١ ؛ النصائح الكافية : ١٢٣ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٥ : ١٣٠.
(٢) فاطر : ٨.
(٣) نهج البلاغة ٢ : ٦٣ / الخطبة ١٦٢.