القسم الأوّل
اتّفاق الفريقين على أصل شرعيّتها
من الثابت المسلّم الذي لا يقبل الشكّ هو ثبوت جزئيّة «حيَّ على خير العمل» في الأذان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ لأنّها مضافاً إلى وجودها في روايات الإمامية الاثني عشرية وفي روايات الزيدية والإسماعيليّة ، رواها أهل السنة والجماعة بطرقهم ، وأنّ بلالاً كان يؤذّن بها في الصبح خاصّة ، بل كان جمّ غفير من الصحابة يؤذّنون بها.
وحكي عن بعض أئمّة المذاهب الأربعة أنّهم قالوا بالتأذين بها ، لكنّ عامّتهم ادّعوا أنّ رسول الله أمر بلالاً بحذفها من الأذان ووضع مكانها جملة «الصلاة خير من النوم».
من هذا يتبيّن أنّهم لا ينكرون شرعيّتها في مبدأ الأمر ، لكنّهم يقولون بنسخها ، فما هو الناسخ إذاً؟ ولِمَ تُنسخُ هذه الجملة بالخُصوص من الأذان؟
للإجابة عن هذا السؤال لابدّ من ملاحظة أنّ أهل السنّة والجماعة انقسموا ـ في هذه المسألة ـ إلى فريقين ؛ فمنهم من قال إنّ الناسخ هو قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لبلال : «اجعل مكانها الصلاة خير من النوم» (١) ، في حين لم يَرَ الفريقُ الآخر منهم بُدّاً من السُّكوت عن بيان الناسخ ؛ لضعف تلك الأخبار وعدم دلالتها على المقصود ، بل
__________________
(١) انظر : مجمع الزوائد ١ : ٣٣٠ ، «وفيه : «رواه الطبراني في الكبير ، وفيه عبدالرحمن بن عمّار بن سعد وقد ضعّفه ابن معين». والجدير بالذكر أن المتّقي الهندي ذكر رواية الطبراني في كنز العمال ٨ : ٣٤٢ ح ٢٣١٧٤ بعد ذكر إسنادها قال : كان بلال يؤذّن بالصبح فيقول : حيَّ على خير العمل ، ولم يذكر فيه : «اجعل مكانها الصلاة خير من النوم».