فقال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لمّا أن وسوس الشيطان إلى آدم دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشى إليها وهي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة ، ثمّ تناول بيده منها ممّا عليها فأكل فطار الحلي والحلل عن جسده ، فوضع آدم يده على [أُمِّ] رأسه وبكى ، فلمّا تاب الله عليه فرض عليه وعلى ذرّيّته غسل هذه الجوارح الأربع ، وأمره بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول منها ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على أُمِّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة» (١).
ومعنى هذا النصّ أنّ العبد يجب عليه تطهير أعضائه حينما يريد التوجّه إلى الله ، وبما أنّ الوجه واليدين فيهما الحواسّ الخمس الظاهرة التي بها يُعصى الإله كان عليه أن يغسلهما قبل الدخول إلى حضرة الإله.
أمّا الرأس والقدمان فهما عنصران آليّان يتقوّى بهما المكلّف على المعصية أو الطاعة وهما ليسا من الحواسّ الخمس ، ففي الرأس القوّة المفكِّرة والخياليّة التي تبعث الفرد إلى ارتكاب المعاصي أو فعل الواجب ، وبالرِّجل يسعى إليهما ـ الطاعة أو المعصيّة ـ فأمر سبحانه المسح عليهما كي ينجو من الوساوس الشيطانيّة والأغلال النفسيّة ويدخل حضيرة القدس طاهراً نقيّاً من الأدناس ، ولأجل هذه الحقيقة فقد أكّدنا في كتابنا «وضوء النبيّ» على : أنَّ طهارة الوضوء هي طهارة حكميّة وليست بحقيقيّة ، لأنَّ المؤمن لا يُــنَجِّسُـه شيء ، وبالــوضوء يُعــرف مَن يطيع الله ومن يعصـيه (٢).
وبعد هذه المقدِّمة لابدّ من الإجابة عن السؤال الأوّل.
__________________
(١) علل الشرائع ١ : ٢٨٠ الباب ١٩١.
(٢) انظر : وضوء النبيّ ، المدخل ٤٢٨.