أن يذهب إلى الشام كي يرابط على ثغور المسلمين ، أو أنّه قال : لا أطيق أن أؤذّن بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو غير ذلك؟
إنّ الدقّة في معرفة سير الأحداث تفرض علينا أن نقول : إنّ ترك بلال للأذان لم يكن لمجرّد حالة نفسية وردّة فعل تجاه وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّ بلالاً كان أتقى وأورع من أن يترك منصباً نصبه فيه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم طيلة حياته ، ذلك لأنّ النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم لم ينصّبه مؤذِّناً شخصيّاً له ، بل أعطاه دور مؤذّن الإسلام ، فكيف يترك هذا الدَّور الشريف لمجرّد موت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! وهو أعلم الناس بما قاله رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في فضل الأذان والمؤذنين.
بل كيف تعقل صياغة عذر ترجيحه للجهاد في الشام على التأذين للمسلمين ، مع أنّ الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر المسلمين أن ينضووا تحت لواء أُسامة وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهما من الصحابة ، ومن الثابت أنّ بلالاً كان مستثنى من هذا الأمر الجهادي ، حيث أطبق التاريخ والمـؤرّخون على أنّه كان عند رسـول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يؤذّن له حتّى آخر لحظة من لحظات حياته الشريفة ، فكيف تـرك التـأذين ورجّح الجهاد؟!
إن هذا ما لا يعقل في حق بلال ، خصوصاً وأنّه لم يُعهد عنه اتخاذه موقفاً مرتبكاً عند موت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كما حدث ذلك لعمر بن الخطّاب (١) ، بل تلقّى الحادث كباقي المسلمين بألم وأسى ، واضعاً نصب عينيه قوله تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) (٢) ، وقوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٣).
__________________
(١) تاريخ الطبري ٣ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ في أحداث سنة ١١ هـ ، وأُسد الغابة ٣ : ٢٢١.
(٢) آل عمران : ١٤٤.
(٣) الزمر : ٣٠.