المسألة إذاً أعظم مما تُصوِّره مدرسة الخلفاء ونهج الاجتهاد والرأي من أن الآية تعني المحبّة بما هي محبة مجرّدة ، وأنّ رسول الله أراد الاهتمام بعشيرته وأقربائه وذويه ، بل إنّ آية المودّة تشير إلى مبدأ آخر واضح للمفكّر اللّبيب ، لأنّ الشارع لا يأمر بمحبة من هو ليس بأهل أو بمحبة الفاسق والفاجر ـ والعياذ بالله ـ بل سبحانه يأمر بمودّة من له خصوصية أن يكون واسطة للفيض الإلهي وصيانة الأحكام ، وإجراء الحدود على وجهاتها الصحيحة ، وحفظ الثغور ، وتقسيم الفيء ، وردّ الشبهات ، وغيرها من مستلزمات صيانة الدين الحنيف وحفظه ، وهو دليل على سلامة القربى المعنيين في الآية من العيب والنقص ، إذ جعلهم عِدلاً للقرآن الذي لا يأتيه ريب ، وعلّق أجر رسالته ـ التي لاقى الصعاب من أجلها ـ على مودتهم.
قال الزمخشري في الكشاف بعد طرحه سؤالاً وجوابه : وروي أنّها لمّا نزلت ، [قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] قيل : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال : عليّ وفاطمة وابناهما. ويدل عليه ما روي عن عليّ رضي الله عنه : شكوت إلى رسول الله حسد الناس لي ، فقال : أما ترضى أن تكون رابع أربعة : أوّل من يدخل الجنَّة ، أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذر يّتنا خلف أزواجنا (١).
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : حرمت الجنَّة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي. ومَن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبدالمطّلب ، ولم يُجازِه عليها ، فأنا أجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة (٢).
__________________
(١) انظر : فضائل الصحابة ، لأحمد بن حنبل ٢ : ٦٢٤ ح ١٠٦٨ وفيه زيادة : وشيعتنا من ورائنا.
(٢) انظر : مسند زيد بن علي : ٤٦٣ و ٤٦٦ الباب ٤ في فضل الحسنين (نشر دار الحياة) وهذا المطلب غير موجود في ما اعتمدناه في تخريج الروايات عن مسند زيد ، فانه ينتهي إلى آخر كتاب الفرائض ، وهو من منشورات دار الكتب العلمية.