ولا يصحّ ما قالوه من أنّها نزلت في أوّل البعثة لمّا خاف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من التبليغ ، فهدّده الله وطمأنه.
أو ما قالوه من أنّها نزلت في مكّة قبل الهجرة فاستغنى بها النبيّ عن حراسة عمّه أبي طالب.
أو ما قـالـوه من نـزولهـا في المديـنة في السـنة الثانية للهـجرة بعد غـزوة أحـد.
لأن القول الأوّل يكذّبه كون السورة مدنية ؛ فلا يعقل أن يأتي خبرٌ كان في أوّل البعثة في آخر سورة من القرآن ، ولو صحّ ذلك القول وما يليه وأنّ الله كان قد عصم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما معنى صلاة الخوف وما فعله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع الأعداء في السنوات الأخيرة من حياته الشريفة؟
وأكثر من ذلك ، هو أنّ الرسول لو كان قد حُمِيَ هذه الحماية في بدء الدعوة واسـتغنى عن حماية أبي طالب ، فما معنى تلك النصوص الصـادرة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى القـبائل والتي يطـلـب منهـم أن يحمـوه؟ بل ما معنى هجرته من مكّة إلى المـدينة المـنوّرة؟
فالآية صريحة في نزولها في آخر حياته الشريفة ، وبعد حجة الوداع ، إذ لو كانت في بدء الدعوة فلا معنى لعبارة (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ) إذ لم ينزل إليه إلّا الشيء اليسير ، وهذه الجملة تدلّ على الماضي الحقيقي وهو يتطابق مع نزولها في آخر حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخصوصاً حينما نرى توقّف أمر الرسالة عليه (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)!
وعليه فالآيتان ـ آية التبليغ وآية المودّة ـ دالتان على شيء واحد مرتبط بأجر الرسالة وتبليغها ، وهما أمران مَولَويّان من الباري جل شانه (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) و (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ، وكلاهما يرتبط بأمر الولاية والخلافة الإلهية ، لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يخاف من رجوع أمّته القهقرى