الصحابة. وقد تمحّل له علماء هذا النهج فحملوا كلّ ما لا يرتضونه من الروايات والأحكام المغايرة لاجتهادات السلف على النسخ والوضع. ولكي يضفوا صبغة شرعية على تلك الأحكام تراهم ينسبون روايات إلى رسول الله تؤيّد ما ذهبوا إليه.
وإيماناً منا بضرورة دراسة ملابسات مثل هذه الأمور في الشر يعة ورفع الستار عنها ، خصصنا هذا الفصل كي نؤكّد على أن الصراع حول جزئية «حيّ على خير العمل» بين الطالبيين والنهج الحاكم له جذوره وأصوله العقائدية والتاريخية ، ولم يكن صراعاً سياسياً بحتاً ، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدّل على عمق الخلاف بين الفريقين.
إذ أنّ استمرار الصراع العقائدي السياسي لمدة طو يلة من الزمن ينبئ عن وجود أصل شرعي مُختلَف فيه عندهم.
ولمّا كان النهج الحاكم ـ على مرّ العصور ـ يدعو إلى «الصلاة خير من النوم» تبعاً للخليفة الثاني والأمويين من بعده ، ولمّا كان الطالبيون لا يؤمنون بشرعية هذا الجزء ، فمن المؤكد أن يكون عدم إتيان الحفّاظ والمحدّثين بما يدل على شرعيّة «حيّ على خير العمل» في الصحاح والسنن قد كان خاضعاً لأمور سياسية.
إنّ الطالبيّين قد وقفوا أمام مثل هذه الهجمات بكلِّ قوّة ، وبذلوا كلّ ما يمكنهم في التعبير عن عدم الرضوخ أمام تغيير السنّة ، وقد كلّفهم ذلك الكثير الكثير ، وتحمّلوا المصاعب العظام من أجل الحفاظ على سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ومنها الإتيان بـ «حيّ على خير العمل» في أذانهم. وقد جرت بين الطرفين مناوشات كلامية اتّهم فيها كلّ طرف منهما الآخر بالانحراف والبدعة ، محافظاً على شعاريّته ، ورافضاً شعارية الطرف الآخر بكل عنف.
ومن يتصفّح التاريخ يجد بين طيّاته صوراً حيّة لمدى قوّة تمسّك الطالبيّين بهذا الجزء من الأذان ، حتّى وصلت الحال في بعض الفترات إلى أن يكون هو الشعار المحرِّك للثوار والثورة في مراحل مختلفة من التاريخ.