البعد التشريعي يتلوه البعد السياسي الذي يعني أنّهم أحقّ بالخلافة والحكم من الآخرين.
فلو دعا الإمام الباقر أو الصادق إلى جزئيتها في العهد الأموي ، أو أتى بها عليّ بن الحسين ، فقد يسكت الحاكم عنه على مضض ، لكن ليس معنى هذا سكوتهم كذلك عن الطالبيين الثوار لو أذّنوا بـ «حيّ على خير العمل» ؛ لأنّ الأمويّين لو أرادوا معارضة الإمامين الصادق والباقر وقبلهما الإمام عليّ بن الحسين ، لفتحت أمامهم جبهة جديدة هم في غنى عنها في تلك المرحلة من تاريخ المعارضة ، ولدخل الأمر في إطاره السياسي قبل أوانه.
ذلك أنّ الأمة الإسلامية بدأت تعي الأوضاع بعد شهادة الإمام الحسين سنة ٦١ هـ ، وأخذت تتّضح لها معالم الظلم والمكر الأموي وسعيه لهدم الإسلام ، لأنّ ما فعله يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بعترة رسول الله واستحلاله المدينة المنورة لثلاثة أيّام وضربه مكّة وغير ذلك كان كلّ واحد منها كافياً لإحداث هذا التحول الفكري لدى عامّة الناس.
نعم ، هاجت عواطف الشيعة وغيرهم بمقتل الإمام الحسين ، فتلاوموا وتنادموا لعدم إغاثتهم الإمام عليهالسلام ، وقد كانت حصيلة هذا الهياج الجماهيري هو نشوء حركة شيعية باسم حركة التوّابين (٦١ ـ ٦٤ هـ) (١) ثمّ تلتها حركة المختار ابن أبي عبيد الثقفي «٦٤ ـ ٦٧ هـ» ثمّ قيام زيد بن عليّ «١٢٢ هـ» بالعراق ، وابنه
__________________
(١) وصف الطبري في تاريخه ٥ : ٥٥٨ هذه الحركة بقوله «فلم يَزَل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ، ودعاء الناس في السرّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين ، فكان يجيبهم القومُ بعد القوم ، والنّفرُ بعد النّفر ، فلم يزالوا كذلك وفي ذلك حتّى مات يزيد بن معاوية» عام ٦٤ هـ ، فالثوار قدموا ثورتهم بموته في حين كان ضمن مخططهم الثورة على يزيد وعلى النظام الحاكم عام ٦٥ هـ ، فلم يفلحوا في ذلك.