ومن المعلوم أنّ الدولة العباسية أُسست على شعار الرضا من آل محمّد (١) وأنّهم قد تذرعوا بطلب ثار الشهداء من أبناء فاطمة : الحسين بن عليّ ، زيد بن عليّ بن الحسين ، وولده يحيى وسواهم.
لكنّهم سرعان ما قلبوا للعلويين ظهر المجنّ فلم يَفُوا بما عاهدوا عليه الأمة ، ولم يحافظوا على الدلالة الصادقة لمقولة «الرضا من آل محمّد» ، بل نقضوا ما بايعوا عليه محمّد بن عبدالله بن الحسن «النفس الزكية» قبل الانتصار.
وبعد خيانة العباسيين لشعار الرضا من آل محمّد ، ادّعَوا أنّهم أولى بالخلافة من العلويين ؛ لمكان العبّاس عم الرسول ، وأنه أولى بالنبي من عليّ وفاطمة وأبنائها! وهنا كان من الطبيعي أن تغيظهم الحيعلة الثالثة المشيرة إلى أولوية عليّ وأولاده المعصومين بالخلافة من بني العبّاس وغيرهم.
وبما أنّ الحكومتين الأمويّة والعباسيّة كانتا تقدّمان الشيخين على الإمام عليّ وتأخذان بسيرتيهما ، فمن المنطقيّ جدّاً أن لا يرتضي العلويّون السكوت عما فعله هؤلاء من ظلم لأهل البيت ومن طمس لـ «خير العمل» ، فلذلك كان العلويون يقفون أمام الاجتهادات الُمحدَثة من قبَلَ الخلفاء كحذف «حيّ على خير العمل» وتشريع صلاة التراو يح ، والتكبير على الميّت أربعاً ، وإخفات البسملة. بل ربّما كان العلويّون يبعدون المرمى ويصيبون المقتل فيصرّحون بأنّ السبب الأوّل في ضياع حقهم في الخلافة وضياع أحكام الدين ما هو إلّا ما فعله الشيخان بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
من هنا جَدَّ العلو يّون لإعادة السنّة إلى موضعها ـ كما كانت في عهد رسول الله وكما أرادها الإمام عليّ ـ فأخذوا يعلنون «حيّ على خير العمل» على المآذن ،
__________________
(١) انظر : تاريخ الطبري ٧ : ٣٥٨ احداث سنة ١٢٩ و ٧ : ٣٩٠ احداث سنة ١٣٠ هـ وغيرهما.