ولم يزل الأذان بحلب يزاد فيه «حيَّ على خير العمل ، ومحمّد وعليّ خير البشر» إلى أيّام نور الدين محمود ، فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن عليّ بن الحسن بن محمّد البلخي الحنفي إليها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقى بها الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم يؤذّنوا الأذان المشروع (١) ، ومن امتنع كُبّوه على رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ، واستمر الأمر على ذلك.
وأمّا مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم [يعني الشيعة الفاطميين] إلى أن استبدّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوّب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستيّن وخمسمائة ، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري ، فأبطل الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وصار يؤذّن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكّة ، وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين ، فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة في مصر ، فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفيّة بأذان أهل الكوفة ، وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم (٢) ...
ومما يجب الإشارة إليه أنّ دولة سيف الدولة الحمدانيّ المتوفّى سنة ٣٥٦ هـ اتّسعت وشملت حلب وانطاكيه وقنّسرين ومنبج وبالس ومعرّة النعمان ومعرّة مصرين ، وسرمين ، وكفر طاب ، وافامية ، وعزاز ، وحماة ، وحمص ، وطرطوس ، ثمّ تولى بعده أخوه ناصر الدولة. وكانت دولة شيعية اثني عشريّة تعلن عن معتقداتها وآراءها بدون عسف وقسر.
__________________
(١) يعني به الذي ليس فيه «حيّ على خير العمل ، المفسر بمحمد وعلي خير البشر»!
(٢) خطط المقريزي ٢ : ٢٧١ ـ ٢٧٢.