حلب ، أنا ربيبكم ونزيلكم ، واللاجئ إليكم ، كبيركم عندي بمنزلة الأب ، وشابّكم عندي بمنزلة الأخ ، وصغيركم عندي يحلّ محلّ الولد ، قال : وخنقته العبرة ، وسبقته الدمعة ، وعلا نشيجه ، فافتتن النَّاس وصاحوا صيحةً واحدة ، ورمَوْا بعمائمهم ، وضجُّوا بالبكاء والعويل ، وقالوا : نحن عبيدك وعبيد أبيك ، نقاتل بين يديك ، ونبذل أموالنا وأنفسنا لك. وأقبلوا على الدُّعاء له ، والترحُّم على أبيه.
وكانوا قد اشترطوا على الملك الصَّالح أنه يُعيد إليهم شرقية الجامع يُصَلُّون فيها على قاعدتهم القديمة ، وأن يُجهر بـ «حيّ على خير العمل» في الأذان ، والتذكير في الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمة الاثني عشر ، وأن يصلُّوا على أمواتهم خمس تكبيرات ، وأن تكون عقود الأنكحة إلى الشريف الطَّاهر أبي المكارم حمزة بن زُهْرة الحسيني ، وأن تكون العصبية مرتفعة ، والنَّاموس وازع لمن أراد الفتنة ، وأشياء كثيرة اقترحوها مما كان قد أبطله نور الدين رحمه الله تعالى ، فأُجيبوا إلى ذلك.
قال ابن أبي طيّ : فأذّن المؤذّنون في منارة الجامع وغيره بـ «حيّ على خير العمل» ، وصلّى أبي في الشَّرْقية مُسْبِلاً ، وصلَّى وجوه الحلبيين خلفه ، وذكروا في الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمّة ، وصلّوا على الأموات خمس تكبيرات ، وأُذِنَ للشريف في أن تكون عقود الحلبيين من الإمامية إليه ، وفعلوا جميع ما وقعتِ الأيمان عليه (١).
__________________
(١) الروضتين في اخبار الدولتين ٢ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، البداية والنهاية ١٢ : ٣٠٩ وفيه : شرط عليه الروافض. وانظر حاشية الشيخ اغا بزرك الطهراني على مستدرك وسائل الشيعة والمطبوع معه ٣ : ٨.