مسجد الشيعة ـ في أحد أيّام الجُمَع ، وراح ينال من شخصيّة الإمام عليّ عليهالسلام بكلّ ما لا يليق به لا من قريب ولا من بعيد ، الأمر الذي أثار الشيعة من الذين كانوا حاضرين في ذلك المسجد ، فلم يسكتوا على قباحة ذلك الخطيب ، وحدث لغط وثارت الحميّة الدينيّة ، فلم يكتفوا بالاعتراض اللفظيّ ، بل رموا ذلك الخطيب بكلّ ما كان قريباً من أيديهم فأصابوه وكسروا له أنفه (١) ، فكانت هذه الحادثة بمثابة الشرارة الأُولى التي ألهـبت حالـة الصدامات فيما بين السنّة والشيعة في بغداد في تلك السـنة ، وعلى أثـر ذلك فقد كتـب الشـيعة على أبواب دورهم هذه العبارة : (محمّد وعليّ خير البشر ، فَـمَن رضى فقد شكر ، ومَن أبى فقد كفر).
ومن خلال هذه الحادثة ومثيلاتها التي حدثت في بغداد على مرّ الأ يّام يظهر لنا أنَّ «حيّ على خير العمل» أصبحت تُمَثِّل شعاراً للشيعة ، لأنَّ ديدن الجميع هو التأكيد والتركيز عليها ، وعدم التنازل عنها وذلك للاعتقاد الجازم بجزئيّتها ، بخلاف الحكومات التي خافت منها ومن معناها ومغزاها فدأبت على حذفها ، ولهذا يقول صاحب السيرة الحلبيّة : (إنَّ الرافضة لم يتركوا «حيّ على خير العمل» أيّام البويهيّين إلى أن تملّك السلجوقيّين سنة ٤٤٨ هـ ، فألزموهم بالترك وإبدالها بالصلاة خير من النـوم) (٢).
__________________
البداية والنهاية ١١ : ٢٧١ حوادث سنة ٣٥٤ هـ ، إنّه : (عشّ الرافضة) ، وكان ابن عقدة يعطي دروسه فيه ، ونقل عنه أنّه كان حافظاً لستمائة ألف حديث ، ثلاثمائة ألف حديث منها كانت في فضائل أهل البيت عليهمالسلام ، هذا مضافاً إلى إيواء المسجد لعدد كبير من علماء الشيعة ، وكانوا على درجة عالية من الوعي والصلابة في الدين ، جعلت من أحد النواصب لأن يسمّيه بغضاً وتعنتاً بـ (مسجد ضرار) انظر البداية والنهاية ١١ : ١٧٣.
(١) البداية والنهاية ١٢ : ٢٨ ـ ٢٩ حوادث سنة ٤٢٠ هـ.
(٢) انظر السيرة الحلبيّة ٢ : ٣٠٥.