السماء لم تختصّ بمدرسة أهل البيت ، فقد حكى الداوديّ عن ابن إسحاق أنَّ جبرئيل أتى النبيَّ بالأذان قبل أن يراه عبدالله بن زيد وعمر بثمانية أيّام (١) ، ويؤيّده ما جاء عن عمر من أنّه ذهب ليشتري ناقوساً فأُخبِر أنَّ ابن زيد قد أُرِي الأذان في المنام ، فرجع ليخبر رسول الله ، فقال له : «سبقك بذلك الوحي» (٢).
وقد روى عبدالرزّاق عن ابن جريج عن عطاء أنّه سمع عبيد بن عمير يقول : إنّ الأذان كان بوحي من الله (٣).
وروى السيّد ابن طاووس ـ مِن علماء الشيعة الإماميّة ـ بإسناده إلى عبدالرزّاق عن معمر ، عن ابن حمّاد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن النبيِّ في حديث المعراج ، قال : «ثمّ قام جبرئيل فوضع سبّابته اليمنى في أذنه فأذّن. مَثْنى مَثْنى» .. يقول في آخرها : «حيّ على خير العمل ، حتىّ إذا قضى أذانه أقام للصلاة مثنى مثنى» (٤).
وفي كنز العمّال «مسند رافع بن خديج» : لمّا أُسرِي برسول الله إلى السماء أوحي إليه بالأذان ، فنزل به فعلّمه جبرئيل (الطبراني في الاوسط عن ابن عمر) (٥).
ولذلك حاول القسطلانيّ الشافعي في (إرشاد الساري) التخلّص من إشكال التشريع بالرؤيا ، فأدّعى أنّ المشرِّع للأذان هو النصّ الذي أَقَرَّ المنامَ لا نفس المنام ، فقال : قوله تبارك وتعالى : (وإذا نادَيتُم إلَى الصلاةِ اتّخَذُوها هُزُواً ولَعِباً ذلكَ بأ نَّهم قَومٌ لا يَعلَمون) معانيَ عبادة الله وشرائعه ، واستدلّ على مشروعيّة الأذان بالنصّ لا بالمنام
__________________
(١) سـبل الهـدى والرشـاد ٣ : ٣٦١ ، وانظـر : تنـو ير الحـوالك : ٨٦ ، وفـتح البـاري ٢ : ٦٥.
(٢) تار يخ الخميس ١ : ٣٦٠ ، وانظر : السيرة الحلبيّة ٢ : ٣٠١ ـ ٣٠٢.
(٣) المصنَّف ، لعبد الرزّاق ١ : ٤٥٦ / ١٧٧٥ كتاب الصلاة بدء الأذان
(٤) سعد السعود ١٠٠ ، وفي متن بحار الأنوار ٨١ : ١٠٧ : فوضع سبّابته اليمنى في أذنه اليمنى .. حيّ على خير العمل مَثْنى مَثْنى ... الخ.
(٥) كنز العمّال ٨ : ٣٢٩ كتاب الصلاة فصل من الأذان ح ٢٣١٣٨. وانظر مجمع الزوائد ١ : ٣٢٩.