وخلاصة القول : أنَّ الأذان كغيره من الشرائع قد جرى فيه اتِّجاهان :
أحدهما : يقول بتشريعه في الإسراء والمعراج وأ نَّه من الوحي الذي لا يجوز فيه الزيادة والنقصان.
وثانيهما : يعتقد بأنَّ تشريعه جاء على أثر منام رآه عبدالله بن زيد بن عبد ربّه ، أو أنّه شُرِّع بمشورة من الصحابة.
وقد اختلف الاتّجاهان في المفاهيم والأُصول ؛ لأنَّ القائل بتشريعه في الإسراء والمعراج يربطه بقضايا إلهيّة قدسيّة ، حيث إنَّ حقيقة الإسراء هي حقيقة عالية ترتبط بالغيب ، وإنَّ أهل بيت الرسالة وبعض الصحابة المتعبّدين كانوا هم المطّلعين بما دار في الإسراء والمعراج ، بعكس بعض قريش التي كانت تنكر حقيقة المسرى وتسخّف مغزاه ، فلم تكن تقبل بأن الرسول الأعظم تجاوز الحجب حتّى وصل إلى دار العظمة ، حاملاً معه مفاهيم ربانية وأفكاراً عالية لا يمكن الوصول إليها إلّاَ بالاستعانة بالقدرة الإلهيّة ، ولا يمكن معرفة دقائقها إلّا عن أهل بيت الرسالة والوحي ، الذين وضحوا لنا المبهم من هذه الأمور.
أمّا القائل بتشريعه عن طريق رؤيا رآها عبدُالله بن زيد ، أو سبعةٌ آخرون من الصحابة ، فيعطي لفكرته مسحة عدم التوقيف ، ليكون له مساغ في أن يزيد في هذه الشعيرة المقدسة ، أو ينقص منها.
قال السرخسي في المبسوط : «... بدليل ما روي عن إبراهيم أنَّ : أوّل مَن أفرد الإقامة معاوية. وقال مجاهد : كانت الإقامة مثنى كالأذان حتّى استخفّه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم» (١).
__________________
(١) المبسوط ١ : ١٢٩ كتاب الصلاة باب بدء الأذان ، وانظر : المصنف لعبد الرزّاق ١ : ٤٦٣ / ١٧٩٣.