نعم ، إنّ نهج الاجتهاد كان له دعاة وأتباع استمدّوا جذورهم من مصدر غير التعبد والتسليم ، وهو أقرب إلى ما عرفوه في الجاهلية ممّا عرفوه في الإسلام وكان لهؤلاء وجود ملحوظ أيضاً في صدر الإسلام ، فقد اقترح بعض المشركين على رسول الله أن يبدل بعض الأحكام الشرعية وهو صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : (مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) (١).
وقد أثبتنا سابقاً أنّ عمر بن الخطّاب كان من المجتهدين الأوائل الذين تعرّفوا المصلحة وهم بحضرة الرسول المصطفى ، فأنكر عليه أخذَه الفداءَ من أسارى بدر (٢) ، واعترض عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم في صلاته على المنافق (٣) ، وواجه النبيَّ بلسان حادّ في صلح الحديبية (٤) ، وطالب النبيَّ أن يزداد علماً إلى علمه وأن يستفيد من مكتوبات اليهود في الشر يعة (٥) وقال لرسول الله في مرض موته : (إنه لَيَهجُر) أو غَلَبه الوجع (٦)!
__________________
(١) يونس : ١٥.
(٢) شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ١١ ـ ١٢ : ١٢ / ٨٢ ، باب نكت من كلام عمر وسيرته وأخلاقه.
(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨٦٥ كتاب فضائل الصحابة باب فضائل عمر ح ٢٥ و ١ : ٢١٤١ كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ح ٣.
(٤) صحـيح البخاري ٤ / ٣٨١ كـتاب الشـروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة ، ح ٩٣٢.
(٥) المصنّف لعبد الرزاق ١٠ : ٣١٣ كتاب أهل الكتابين ، باب هل يسأل أهل اليهود بشيء / ح ١٩٢١٣ ، مجمع الزوائد ١ : ١٧٤ باب ليس لاحد قول مع رسول الله ٩.
(٦) صحيح البخاري ١ : ٣٩ كتاب العلم ، باب ٨٢ ، ح ١١٢ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ ، ١٢٥٩ ، كتاب الوصية باب ترك الوصية ...