بن أبي سفيان ، الّذي كان حسّاساً إلى درجة كبيرة من ذكر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ كيف يُقرنُ اسم بشر «محمد» باسم ربّ العالمين «الله»؟! (١) مع أنّ كلّ الأنبياء الذين جاؤوا بشرائع سابقة لم يقرن اسم أحدهم باسم رب العزة في إعلامهم للطقوس الدينية ، بل كان الناقوس والبوق والشبّور.
إذن لم يكن معنىً ـ بنظر معاوية ـ لمقارنة اسم النبيّ لاسم الربّ في السماء وفي المعراج ، بل يكفي بذلك أن يكون مناماً ، أو اقتراحاً من عمر ، أو ....
وعلى ذلك فلا ضير إذن في الزيادة أو الحذف في الأذان ، فلَكَ أن تحذف «حيّ على خير العمل» كما فعل عمر وتضع موضعها «الصلاة خير من النوم» ، ولك أن تفرد الإقامة ولا تثنّيها «لحاجة لَهُمْ» ، ولك أن تزيد النداء الثالث يوم الجمعة ، ووو ... إلى آخر هذه الاجتهادات ، إن كان لها آخِر.
ومن هذا الباب كان معاوية أوّل من أفشى مقولة التثويب الثاني ، وهي دعوة المؤذّنُ للخليفة أو الأمير ـ لكثرة مشاغله ـ إلى الصلاة بقوله «السلام على أمير المؤمنين ، الصلاة الصلاة رحمك الله» ، وسار المغيرة بن شعبة على نهج معاوية في هذا أيضاً ، بل قيل إنّه أوّل من فعل ذلك.
ولكن صرّح الأعلام بأنّ معاوية كان أوّل من أحدث هذا ، وتبعه المغيرة بن شعبة ومَن حذا حذوه (٢).
فشاع الأمر واستفاض ، وصار كأنّه حقيقة لا مناص عن الإذعان لها ـ مع أنّ الحقيقة الإسلامية هي شيء آخر ـ وراحت أصداء هذا الحدث الأذاني تمتد وتمتد إلى العصر العباسي ، ومنه وصلت إلى يومنا الحاضر.
__________________
(١) سيأتي خبر معاوية لاحقاً في صفحة ١٠٦ ـ ١٠٨.
(٢) انظر : الوسائل إلى معرفة الأوائل ، للسيوطي : ٢٦.