ثمّ عاد إلى سنجار ، فلمّا مات الملك الكامل وخرجت الخوارزميّة عن طاعة ولده الصّالح ، راح الصّالح إلى سنجار ، فطمع فيه صاحب الموصل ، ونازلة بسنجار ، ولم يبق إلّا أن يسلّمها. وبدر الدّين قاض بها ، فأرسله الصّالح تلك اللّيالي من السّور ، فنزل وذهب إلى الخوارزميّة ، وخاطر بنفسه وركب الأهوال ، واجتمع بهم واستمالهم ومنّاهم ، وساروا معه ، ووافاهم الملك المغيث ولد الصّالح من حرّان ، وأقبلوا إلى سنجار ، فترحّل صاحب الموصل عنها هاربا ، واحتوت الخوارزميّة على أثقاله وعظمت منزلة القاضي بدر الدّين عند الصّالح ، فلمّا تملّك البلاد وفد إليه بدر الدّين ففرح به وأكرمه.
وكان شرف الدّين ابن عين الدّولة قاضي الإقليم بكماله ، فأفرد عنه مصر والوجه القبليّ ، وفوّضه إلى بدر الدّين. فلمّا مات ابن عين الدّولة ولّاه الصّالح قضاء القضاة بالقاهرة والوجه البحريّ ، وكان عنده في أعلى المراتب.
وكان الشّيخ الأمير فخر الدّين ابن الشّيخ يكره القاضي بدر الدّين ، فكتب فيه مرّة إلى الصّالح يغضّ منه وينسبه إلى أخذ الرّشا من العدول وقضاة البر.
فلمّا وقف على كتابه كتب إليه بخطّه على رأس كتابه : يأخي فخر الدّين للقاضي بدر الدين عليّ حقوق عظيمة لا أقوم بشكرها ، والّذي تولّاه قليل في حقّه.
فلمّا وقف على ذلك لم يعاوده.
وتولّى بدر الدّين أيضا تدريس الصّالحيّة ، وباشر وزارة مصر مدّة.
ولم يزل يتنقّل في المناصب إلى أوائل دولة الظّاهر ، فصرفه عن ذلك ولزم بيته ، وبقي الرؤساء يتردّدون إليه. وحرمته وافرة ، ومحلّه كبير.
وكان كثير الصّفح عن الزّلّات ، راعيا للحقوق ، مقصدا لمن يرد عليه ، سخيّا كريما. حجّ على البحر وصام بمكّة.
وقال أبو شامة (١) : وفي رجب توفّي قاضي سنجار بدر الدّين الكرديّ الّذي تولّى قضاء مصر مرارا ، وكانت له سيرة معروفة من أخذ الرّشا من قضاة
__________________
(١) في الذيل على الروضتين ٢٣٤.