ينازلوه مدّة طويلة ، يستظهر عليهم ويستظهرون عليه ، إلى أن كان الظّفر للإسلام آخر شيء ، وقتل خلائق من الفرنج لا يحصون ، ووقع هو في أسر المسلمين. ثمّ استفكّ نفسه بدمياط وبجملة من الذّهب.
قال ابن واصل : دخل إليه حسام الدّين ابن أبي عليّ وهو مقيّد بالمنصورة فحاوره طويلا حتّى وقع الاتفاق على تسليم دمياط ، ويطلق هو ومن معه من كبراء الفرنج.
فحكى لي حسان الدّين قال : كان فطنا عاقلا قلت له : كيف خطر للملك مع ما أرى من عقله وفضله وصحّة ذهنه أن يقدم على خشب ، ويركب في هذا البحر ، ويأتي هذه البلاد المملوءة من عساكر الإسلام ، ويعتقد أنّه يحصل له تملّكها ، وفيما فعل غاية الغرر؟! فضحك ولم يحر جوابا.
وقلت : ذهب بعض فقهائنا أنّ من ركب البحر مرّة بعد أخرى مغرّرا بنفسه أنّه لا تقبل شهادته ، لأنّه يستدلّ بذلك على ضعف عقله.
قال : فضحك وقال : لقد صدق هذا القائل وما قصّر.
ولمّا أفرج عن ريذ افرنس وأصحابه أقلعوا إلى عكّا ، وأقام بالسّاحل مدة ، وعمّر قيسارية ثمّ رجع إلى بلاده ، وأخذ يجمع ويحشد إلى هذا الزّمان ، وأراد قصد بلاد الإسلام ثانيا ، ثمّ فتر عن قصد مصر ، وقصد بلد إفريقية (...) (١)
إلى أنّه من ملك بلاد المغرب تمكّن من قصد مصر في البرّ والبحر ، ويسهل عليه تملّكها ، فنازل تونس إلى أن كاد يملكها ، ولكن وقع الوباء في جيشه فهلك هو وجماعة من ملوكهم ، كما ذكرنا.
* * *
__________________
(١) بياض في الأصل.