فاللازم أيضا أن لا يكون أيّ تناف بين خلود الشريعة وتأثير الزمان والمكان على الاستنباط.
ومن حسن الحظ انّ الأستاذ أحمد مصطفى الزرقا قد صرح بهذا الشرط ، وهو انّ عنصري الزمان والمكان لا يمسان كرامة الأحكام المنصوصة في الشريعة ، وإنّما يؤثران في الأحكام المستنبطة عن طريق القياس والمصالح المرسلة والاستحسان وقال ما هذا نصّه :
قد اتفقت كلمة فقهاء المذاهب على أنّ الأحكام التي تتبدّل بتبدّل الزمان وأخلاق الناس هي الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية ، أي التي قررها الاجتهاد بناء على القياس أو على دواعي المصلحة ، وهي المقصودة من القاعدة المقررة «تغيير الأحكام بتغير الزمان».
أمّا الأحكام الأساسية التي جاءت الشريعة لتأسيسها وتوطيدها بنصوصها الأصلية الآمرة ، الناهية كحرمة المحرمات المطلقة وكوجوب التراضي في العقود ، والتزام الإنسان بعقده ، وضمان الضرر الذي يلحقه بغيره وسريان إقراره على نفسه دون غيره ، ووجوب منع الأذى وقمع الإجرام ، وسد الذرائع إلى الفساد وحماية الحقوق المكتسبة ، ومسئولية كلّ مكلّف عن عمله وتقصيره ، وعدم مؤاخذة بريء بذنب غيره ، إلى غير ذلك من الأحكام والمبادئ الشرعية الثابتة التي جاءت الشريعة لتأسيسها ومقاومة خلافها ، فهذه لا تتبدل بتبدل الأزمان ، بل هي الأصول التي جاءت بها الشريعة لإصلاح الأزمان والأجيال ، ولكن وسائل تحقيقها وأساليب تطبيقها