في القضاء بل لا بدّ أن يستند قضاؤه إلى البيّنات المثبتة في مجلس القضاء حتى لو شاهد القاضي بنفسه عقدا أو قرضا أو واقعة ما بين اثنين خارج مجلس القضاء ثمّ ادّعى به أحدهما وجحدها الآخر ، فليس للقاضي أن يقضي للمدّعي بلا بيّنة ، إذ لو ساغ ذلك بعد ما فسدت ذمم كثير من القضاة ، لزعموا العلم بالوقائع زورا ، وميلا إلى الأقوى وسيلة من الخصمين ، فهذا المنع وإن أضاع بعض الحقوق لفقدان الإثبات لكنّه يدفع باطلا كثيرا ، وهكذا استقر عمل المتأخرين على عدم نفاذ قضاء القاضي بعلمه.
على أنّ للقاضي أن يعتمد على علمه في غير القضاء من أمور الحسبة والتدابير الإدارية الاحتياطية ، كما لو علم ببينونة امرأة مع استمرار الخلطة بينها وبين زوجها ، أو علم بغصب مال ؛ فإنّ له أن يحول بين الرجل ومطلقته ، وأن يضع المال المغصوب عند أمين إلى حين الإثبات. (١)
أقول : يشترط المذهب الإمامي في القاضي : العدالة والاجتهاد المطلق ، فالقاضي الجائر لا يستحق القضاء ولا ينفذ حكمه.
وعلى ضوء ذلك فلا يترتب على عمل القاضي بعلمه أي فساد ، لأنّ العدالة تصدّه عن ارتكاب الآثام.
ولو افترضنا إشغال منصة القضاء بالفرد الجائر فليس للقاضي العمل بعلمه في حقوق الله سبحانه ، كما إذا علم أنّ زيدا زنى أو شرب الخمر أو غير ذلك ، فلا يصحّ له إقامة الدعوى وإجراء الحدود لاستلزامه وحدة القاضي
__________________
(١) المدخل الفقهي العام : ٢ / ٩٢٨ ـ ٩٢٩ ، برقم ٥٤٦.