الناس ، وعلى هذا استقرت الفتوى والقضاء في المذهب. (١)
أقول : إنّ لحلّ هذا النوع من المشاكل طريقا شرعيا في باب النكاح ، وهو اشتراط عدم إخراجها من وطنها أو أن يسكنها في بلد خاص ، أو منزل مخصوص في عقد النكاح ، فيجب على الزوج الالتزام به. وليس مثل هذا الاشتراط مخالفا للكتاب والسنّة.
ولو افترضنا غفلة أولياء العقد عن الاشتراط وأراد الزوج إخراجها إلى بلاد نائية يصعب عليها العيش فيها ويعد حرجيّا لها ، فللزوجة رفع الشكوى إلى الحاكم بغية عدم إخراجها من وطنها ، فيحكم بعد تبيّن الحال بعدم الإخراج نتيجة طروء العناوين الثانوية كالحرج والضرر ، فليس للزمان هنا أي مدخلية في تغيير الحكم ، بل يكمن الحكم الشرعي في نفس الشرع.
٤. في أصل المذهب الحنفي وغيره انّ القاضي يقضي بعلمه الشخصي في الحوادث ، أي أنّ علمه بالوقائع المتنازع فيها يصح مستندا لقضائه ، ويغني المدّعي عن إثبات مدّعاه بالبيّنة ، فيكون علم القاضي بواقع الحال هو البيّنة ، وفي ذلك أقضية مأثورة عن عمر وغيره ، ولكن لوحظ فيما بعد أنّ القضاة قد غلب عليهم الفساد والسوء وأخذ الرشا ، ولم يعد يختار للقضاء الأوفر ثقة وعفة وكفاية بل الأكثر تزلّفا إلى الولاة وسعيا في استرضائهم وإلحافا في الطلب.
لذلك أفتى المتأخّرون بأنّه لا يصحّ أن يقضي القاضي بعلمه الشخصي
__________________
(١) المدخل الفقهي العام : ٢ / ٩٢٨ ، برقم ٥٤٦.