قلنا : مقدار رجحان القوي على الضعيف إن لم يمكن الاطّلاع عليه لم يكن معتبرا في حقّ المكلّف ، وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق ، فيكون القدر المعتبر بين الأمارتين في حقّ المكلّف متساويا لا راجحا.
وإن أمكن الاطّلاع فإن وجب تحصيل العلم بتلك الأمارة إلى أقصى الإمكان كان من لم يصل إلى معرفتها إلى الأقصى تاركا للواجب فيكون مخطئا.
وإن لم يجب ، فهو محال ؛ لأنّه إن كان هناك حدّ ما متى لم يصل إليه لم يكن معذورا. وإذا وصل إليه لم يكلّف بالزيادة عليه وجب تخطئة من لم يصل إليه ومن وصل إليه كان مصيبا ، وهو خلاف الإجماع ، إذ لم يدّع أحد حدّا معيّنا في الاجتهاد بحيث يخطّئ القاصر عنه ، ولا يعذر ، ويصيب الواصل إليه.
وإن لم يكن هناك حدّ لم يكن بعض المراتب أولى بالتخطئة عندها من بعض ، فإمّا أن لا يخطئ أصلا فيكون العامل بالظن كيف كان ولو مع ألف تقصير مصيبا ، وهو باطل إجماعا ؛ أو يكون مخطئا إلّا إذا وصل النهاية الممكنة ، وهو المطلوب.
الثالث : المجتهد مستدل بأمر على آخر ، والاستدلال : استحضار العلم بأمور يستلزم وجودها وجود المطلوب. واستحضار العلم بالشيء يتوقّف على وجود ذلك الشيء ، فالاستدلال متوقّف على وجود الدليل ، ووجود ما يدل على الشيء يتوقّف على وجود المدلول ، لأنّ دلالته عليه نسبة بينه وبين