الشبهة أيضا ، وتندفع بما سيأتي بيانه.
أمّا بيان تلك الحجج الثلاث على القول بقدم النفس فظاهر ، حيث إنّهم قالوا بأنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه كما بيّنا الوجه فيه فيما سبق ، وعلى هذا وإن كان لا احتياج في إثبات بقاء النفس إلى تلك الحجج ، إلّا أنّ أفلاطون كأنّه اعتمد فيه عليها ، إشارة إلى برهان آخر أو تأكيدا للبرهان المبنيّ على قدمها ، ولعلّه رام أنّ النفس الناطقة شيء لا يمكن أن يطرأ عليه الفساد ، لا من جهه علّته المفيضة التامّة ولا من جهة ذاته بذاته.
أمّا من الجهة الاولى فلأنّها قديمة ، والقديم لا يمكن أن يطرأ عليه الفساد ، لأنّ طروءه عليه يستلزم طروءه على الواجب بالذات تعالى شأنه كما مرّ تقريره ، وهو محال.
أمّا من الجهة الثانية فلوجوه :
أحدها ـ وهو الحجّة الثانية المنقولة عنه ـ : أنّ النفس لا رداءة فيها ، أي لا قوّة فساد فيها ، إذ تلك القوّة تابعة للمادّة كما تقرّر في موضعه ، وإذ ليس فيها قوّة فساد ، بل هي فعلية محضة ، وصورة مطلقة ، فلا يمكن أن يطرأ عليها الفساد بوجه ، إذ الشيء لا يمكن أن يكون محلّا لفساد نفسه.
وعلى هذا فيؤول هذا البرهان إلى البرهان الأخير ، الذي ذكره الشيخ في الشفاء ، ولخّصه في الإشارات على عدم إمكان فساد ذات النفس مطلقا ، وسيأتي زيادة توضيح له.
أو أنّه لا رداءة في النفس أي لا يتطرّق إليها العدم والفناء ، إذ لا ضدّ لها فإنّ الضدّ إنّما يتصوّر فيما كان له موضوع أو مادّة والمفروض أن ليس لها في ذاتها ذلك وما لا ضدّ له لا يمكن أن يطرأ عليه الفساد مع كون علّته التامة باقية بذاتها.
وثانيها ـ وهو الحجّة الاولى له ـ : أنّ النفس تعطى حياة ما هي متعلّقة به كالبدن ، ومفيد الحياة لا يمكن أن يكون فاقدا لها ، بل ينبغي أن يكون واجدا لها من ذاته ، فينبغي أن تكون الحياة ذاتية للنفس حتّى كأنّها حياة.
ولذلك أطلق بعض الحكماء أنّ النفس حياة للبدن ، والذاتي للشيء لا يمكن أن يزول عنه ، فلا يمكن أن يطرأ على النفس التي هي منشأ الحياة بل الحياة نفسها ، ما هو ضدّها أعني الموت.
نعم لو كان شيء ما من الأشياء بحيث يكون الحياة عارضة له كالجسم ، أمكن أن تزول