عنه الحياة بطروء ضدّها ، وحينئذ فما ورد في الشرع ، وكذا في كلام الحكماء من موت النفس ، إشارة الى قطع تعلّقها عن البدن. وزوال الحياة عن البدن بزوال ما هو منشأ الحياة عنه ، وعلى هذا فإطلاق الموت على موت البدن بمعنى وعلى موت النفس بمعنى آخر.
وهذا كالوجود عند أفلاطون وشيعته ، حيث ذهبوا إلى أنّه متأصّل في الوجود ، والماهيّة عارضة له ، وربط الوجود بالماهيّة إنّما هو عبارة عن عروض الماهيّة له ، لا أنّ الوجود أمر انتزاعي عارض للماهيّة كما هو رأي آخرين.
فإنّه على مذهب أفلاطون وأتباعه لا معنى لانعدام الوجود في نفسه ، لأنّه غير معقول ، بل المعدوم هو الماهيّة بزوال الوجود فيها واتّصاله بأصله ، وكذا يطلق العدم على عدم الماهيّة بمعنى ، وعلى عدم الوجود بمعنى آخر.
وثالثها ـ وهو الحجّة الثالثة له ـ : أنّ النفس دائما متحرّكة من ذاتها حركة رويّة وجولان ، إمّا إلى المبادئ العالية فتستكمل وتستفيد وتستنير ، وإمّا إلى البدن فتفيد وتكمل وتنير. فشأنها في ذاتها إمّا إفادة الكمال أو استفادته حتّى كأنّها حركة نحو الكمال ، ولذلك أطلق عليها أفلاطون في بعض كلماته أنّها حركة ، وعلى هذا فيكون تلك الحركة الكمالية ذاتية له ، وإذا كان كذلك فذاتها لا تقبل النقص ، فلا تقبل الفساد ، إذ هو فوق النقص.
وإذا عرفت ما ذكرنا ، عرفت أنّ الحجّة الاولى والثالثة وكذا الثانية على التقرير الأخير ترجع كلّها إلى معنى واحد ، وهو أنّ النفس الناطقة لا ضدّ لها فلا تقبل الفساد ، لكن التقرير مختلف ، فإنّ الحجّة الاولى مبنيّة على أنّها حياة ، والثانية على أنّها ليس لها رداءة ، والثالثة على أنّها كمال.
وأيضا الاولى مبنيّة على النظر في النفس من جهة كونها متعلّقة بالبدن ومنشأ حياة له ، والثالثة على النظر فيها في نفسها من غير نسبتها إلى البدن بخصوصه.
وهذا الذي ذكرنا ، هو تقرير تلك الحجج الثلاث على رأي أفلاطون وشيعته القائلين بقدم النفس ، وإن كان القول به غير صحيح في نفسه ، حيث إنّ الشبهة التي دعت الفلاسفة إلى القول بقدم العالم ، شبهة داحضة ، قد قرّرنا بطلانها بما لا مزيد عليه في الرسالة التي ألّفناها في بيان حدوث العالم.
وكذلك ما أسنده صاحب المحاكمات ، إلى القائل بقدم النفس من عدم الفرق بين إمكان الحدوث وإمكان العدم في استدعاء المادّة إلى آخر ما نقله ، سيجيء إبطاله في بيان