إنّما يكون بهذا السبب ، وأنّ ذلك يتبعه فساد البدن ، كما نعلم بالضرورة أنّ فساد البدن إنّما يكون بتغيّر مزاجه وتركيبه.
ويؤيّد ما ذكرناه قول الشيخ في الشفاء في فصل جوهرية النفس : «وإذا فارقت النفس وجب ضرورة أن يكون فراقها لغالب صيّر الموضوع بحالة اخرى وأحدث فيه صورة جماديّة ، كالمقابلة للصورة المزاجيّة الموافقة للنفس ، ولتلك الصورة والمادّة التي للنفس لا تبقى بعد النفس على نوعها البتّة ، بل إمّا أن يبطل نوعها وجوهرها الذي به كان موضوعا للنفس ، أو يخلف النفس عنها صورة تستبقي المادّة بالفعل على طبيعتها فلا يكون ذلك الجسم الطبيعي كما كان ، بل يكون صورة وأعراض اخرى ويكون قد تبدّل أيضا بعض أجزائها وفارق مع تغيّر الكلّ في الجوهر فلا يكون هناك مادّة محفوظة الذات بعد مفارقة النفس هي كانت موضوعة للنفس والآن هي موضوعة لغيره.» (١)
وكذا قوله في الإشارات : «واستحالة الجسم عن أن يكون آلة لها وحافظا لعلاقة معها بالموت ، لا تضرّ جوهرها» (٢) حيث أسند تلك الاستحالة إلى الجسم أوّلا.
وكذا قول المحقّق الطوسي : «وذلك لأنّ فساد المزاج المقتضي لقطع العلاقة ، إنّما يتطرّق من جهة الجسم وعوارضه» (٣). والمحصّل أنّ زوال المزاج والتركيب إنّما يكون بطروء عوارض على البدن الحاصل على المزاج الخاصّ والتركيب الخاصّ لا غير ، فيخرج البدن عن القابليّة لذلك المزاج الخاصّ ، فيفسد المزاج بزوال علّته القابلة له من حيث إنّها قابلة له ، أي فيفسد المزاج ويتبعه زوال البدن وفساده من حيث المزاج والتركيب ، وكذا من جهة الصورة الشخصيّة والنوعيّة بل الجسميّة أيضا بطروء الضدّ عليها ، ولا يستلزم ذلك زوال ذات العلّة الفاعليّة للمزاج والتركيب أو علّتهما بالذات ، أعني النفس الجامعة والحافظة للمزاج ، حيث إنّ انعدام المعلول لا يستلزم انعدام جميع علله ، مع أنّك قد عرفت فيما تقدّم أنّ تغيّر المزاج والتركيب لكونه تدريجيّا مستلزما لحركة في زمان على مادّة تقبل التدريج ، لا يمكن أن يكون مستتبعا لانعدام ذات النفس لكونها مجرّدة عن المادّة في ذاتها. نعم هو يمكن أن يكون مستتبعا لزوال النفس من حيث كونها
__________________
(١) الشفاء ، الطبيعيّات ، الفصل الثالث في أنّ النفس داخلة في مقولة الجوهر : ٢٢ ، طبع القاهرة.
(٢) شرح الإشارات ٣ : ٢٦٥.
(٣) شرح الإشارات ٣ : ٢٦٦.