جامعة وحافظة بالذات أي لزوال صفة جمعها وحفظها ، وكذا لقطع علاقتها عن البدن ، حيث إنّه إذا لم تكن هناك مادة قابلة للجمع والحفظ لا يتصوّر الجمع والحفظ ، وإن كان ذات الجامع والحافظ بذاته موجودا ، لا نقص في ذاته ولا في علّيته بذاته وإذا زال ذلك المزاج الخاصّ الموافق للنفس الذي هو منشأ علاقتها بالبدن زالت علاقتها عنه من غير أن يكون ذلك مستلزما لانعدام ذات النفس ـ وسيجيء زيادة بيان له إن شاء الله تعالى.
وعلى هذا فيمكن أن يحمل كلام الشيخ في الشفاء : «وهي حافظة لهذا البدن على النظام الذي ينبغي فلا يستولي عليه المغيّرات الخارجة ما دامت النفس موجودة فيها» (١) على أنّها حافظة له على ذلك النظام ، ما دام يمكن الحفظ ويمكن أن يكون ذلك المزاج قابلا له صالحا له ولم يطرأ عليه الضدّ ولم يستول عليه المغيّرات ، وما دامت النفس موجودة مع البدن متعلّقة به جامعة حافظة ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ، خرج البدن عن الصلاحيّة لقبول حفظ المزاج ، وفسد المزاج ، وفسد البدن أيضا ، وزال الحفظ وانقطعت علاقتها عنه.
وكذا كلامه في الإشارات : «وهذا الالتيام كما يلحق الجامع الحافظ وهن أو عدم يتداعى إلى الانفكاك» (٢) ، على أنّه إذا لحق الجامع الحافظ وهن من حيث الجمع والحفظ بسبب الأمراض المنهكة البدنيّة أو عدم من هذه الحيثيّة أيضا بسبب الموت البدني ، تداعى الالتيام إلى الانفكاك فزال جمعه وحفظه فزال تعلّقها عن البدن ففارقته من غير أن يكون مستلزما لانعدام الجامع الحافظ بذاته ، وعلى هذا فيحصل الجمع بين كلامي الشيخ اللذين نحن بصدد الجمع بينهما من غير إشكال.
وهذا الذي ذكرنا إنّما هو على مساق ظاهر ما نقلنا عن الشيخ آنفا في فراق النفس عن البدن ومذاق الحكماء الطبيعيّين في الموت ، وأمّا على مذاق بعض الحكماء الإلهيّين فيه فيمكن أن يقال : إنّ البدن بذلك المزاج الخاصّ والتركيب الخاصّ اللذين هما منشأ تعلّق النفس به لمّا كان آلة لاستكمالها حيث كانت تحتاج إليه في استكمالها ، كانت جامعة حافظة للبدن على مزاجه ، وكانت العلاقة شديدة باقية ، وحيث خرج كمالها المقدّر لها به
__________________
(١) الشفاء ، الطبيعيات ، الفصل الثالث في أنّ النفس داخلة في مقولة الجوهر : ٢٥ ، طبع القاهرة.
(٢) شرح الإشارات ٢ : ٣٠١.