حركة في زمان لا محالة ، بل يجب أن يكون حصوله في زمان ، وأن يكون مع ذلك ممّا يتوقّف حصوله على وجه الكمال على استعدادات متواردة ، يكون هو بحسب كلّ استعداد قابلا لفيضان صورة ، حتّى تكمل صورته ، وتفيض عليه الصورة الإنسانية بكمالها ، إذ الصورة الإنسانيّة مستجمعة للصورة الجماديّة المعدنيّة ، والصورة النباتيّة والصورة الحيوانية ، فيتوقّف حصولها على وجه الكمال على حصول تلك الصور أوّلا حتّى تكمل ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ). (١) أي ثمّ أنشأناه خلقا آخر بحيث كملت صورته الإنسانيّة ونفسه ، بحيث يصدر عنها مع ما تقدّم من الأفعال المعدنيّة والنباتيّة والحيوانيّة الأفعال المختصّة بالإنسان.
فبالجملة حصول الصورة الإنسانيّة بكمالها يتوقّف على حصول تلك الصور ، سواء قلنا بأنّ تلك الصور التي تحصل في ضمن الصورة الإنسانيّة غير الصورة الإنسانيّة ، يتوقّف حصولها على وجه الكمال عليها ، أو هي مراتبها المتفاوتة الغير الكاملة منها.
وكان أيضا قد اقتضت الحكمة الإلهيّة والمصلحة المتعالية الربّانيّة بقاء هذا النوع أي الإنسان بالتوالد والتناسل.
وبالجملة لمّا اقتضت العناية الرّبانيّة ما فصّلنا ، واقتضت كما دلّ عليه كلام المحقّق الطوسي الذي نقلناه سابقا في مسألة حفظ المزاج ، أن تكون نفس الأبوين تجمع بالقوّة الجاذبة أجزاء غذائيّة ، ثمّ تجعلها أخلاطا ، وتفرز منها بالقوّة المولّدة مادّة المنيّ ، وتجعلها مستعدّة لقبول قوّة من شأنها إعداد المادّة لصيرورتها إنسانا. فتصير بتلك القوّة منيّا ، وتكون تلك القوّة صورة حافظة لمزاج المنيّ كالصورة المعدنيّة.
أي اقتضت أن تكون نفس الأبوين تجمع بالقوّة الجاذبة أجزاء غذائيّة غالب أجزائها الطين ، كما سمّاها الله تعالى في كتابه العزيز تارة طينا ، وتارة سلالة من طين ، ثمّ تجعل تلك الأجزاء مستعدّة لصور الأخلاط فتفاض صورة الأخلاط عليها ، بأن يكون العلّة المعدّة هناك لذلك الصورة الغذائيّة وحدها ، أو هي مع حركة ما أو فعل ما من نفس الأبوين ،
__________________
(١) المؤمنون : ١٢ ـ ١٤.