حيث كونها متصرّفة في البدن ، وأنّها مجرّدة من حيث الذات ، مادّية من حيث الفعل ، وأنّها من حيث الفعل مسبوقة باستعداد البدن حادثة بحدوثه زائلة بزواله ، وأمّا من حيث حقيقتها أو مبدأ حقيقتها ، فغير مسبوقة باستعداد البدن إلّا بالعرض ، ولا فاسدة بفساده ، ولا يلحقها شيء من مثالب المادّيات إلّا بالعرض ، وهذا ممّا لا كلام فيه.
لكنّه لا يتبيّن منه أنّها من جهة مسبوقيّتها باستعداد البدن بالعرض ، كيف استلزم استعداد البدن لها بالعرض ، وجود ذاتها ، ولم يستلزم ذلك الاستعداد فساد ذاتها. وما الفرق بين الأمرين؟ مع أنّه اعترف أنّها من جهة المسبوقيّة باستعداد البدن حادثة بحدوثه زائلة بزواله. اللهم إلّا أن يوجّه ذلك بما يؤول إلى جواب المحقّق الطوسي ، وإلى ما فصّلناه من الجواب.
ثمّ إنّ ما ذكره ثانيا بقوله : «وأمّا الذي نراه الآن في تحقيق الحال ، فهو أنّ للنفس الإنسانيّة مقامات ونشئات ذاتية بعضها من عالم الأمر والتدبير : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (١) وبعضها من عالم الخلق والتصوير : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا) ، (٢) فالحدوث والتجدّد ، إنّما يطرءان لبعض شأنها».
فهو أيضا ممّا لا كلام فيه ، لا في كونها ذات نشئات ، ولا في أنّ الحدوث والتجدّد يطرءان عليها من جهة كونها من عالم الخلق والتصوير ومن جهة تعلّقها بالبدن تعلّق التصرّف والتدبير.
إلا أنّ قوله : «فنقول : لمّا كانت للنفس ترقّيات وتحوّلات من نشأة اولى إلى ثانية وإلى ما بعدها ، فإذا ترقّت وتحوّلت من عالم الخلق إلى عالم الأمر ، يصير وجودها وجودا عقليّا إلهيا لا تحتاج إلى البدن وأحواله واستعداده ، فزوال استعداد البدن إيّاها لا يضرّها دواما وبقاء ، إذ ليس حال النفس في أوّل حدوثها كحالها عند الاستكمال ، ومصيرها إلى العقل الفعّال ، فهي بالحقيقة جسمانيّة الحدوث روحانيّة البقاء».
إن أراد به أنّ النفس في أوّل حدوثها مادّية بحسب الذات ، وتصير عند استكمالها مجرّدة ، فهو مع كونه خلاف ما تقرّر عندهم ، يستلزم انقلاب ذاتها من المادّية إلى التجرّد وهذا باطل.
__________________
(١) الإسراء : ٨٥.
(٢) الأعراف : ١١.