وإن أراد أنّها في جميع الحالات مجرّدة بحسب الذات ، مادّية بحسب الفعل والتصرف في المادّي ، إلّا أنّ كمالاتها الذاتيّة التي هي منشأ الحكم بتجرّدها عند حدوثها ، وفي بعض مراتبها أقلّ منها عند استكمالها ، وهي عند الاستكمال أكثر ، حتّى أنّها بذلك يصير وجودها وجودا عقليّا ، ويظهر عند العقل أنّها مجرّدة ، فهو مسلّم ، لكن ما ذكره : «من أنّها عند الاستكمال لا تحتاج إلى البدن وأحواله واستعداده» ، إن أراد أنّها حينئذ يزول تعلّقها عن البدن واحتياجها إلى أحواله واستعداده ، وقد كانت قبل ذلك متعلّقة به محتاجة إليه ، وإلى استعداده وأحواله حتّى يحصل له الاستكمال ، والحاصل أنّها عند الاستكمال ، غير متعلّقة بالبدن أصلا ، حتّى يستلزم فساد البدن لفسادها ، بل باقية بذاتها ، فزوال استعداد البدن لا يضرّها دواما وبقاء.
فيرد عليه أنّه كيف صار استعداد البدن ايّاها منشأ لاستكمالها الذي هو منشأ لقطع تعلّقها عن البدن ، ولم يصر زوال ذلك الاستعداد منشأ لفساد ذاتها ولو بالعرض ، مع أنّه كان قبل ذلك استعداد البدن منشأ لحدوثها ولوجود ذاتها ولو بالعرض ، ولم يكن ذاتها قبل ذلك مادّية بحسب الذات وبعد الاستكمال مجرّدة بحسب الذات ، حتّى يمكن أن يكون استعداد البدن قبل ذلك منشأ لوجود ذاتها لأجل كونها مادّية ، ولا يمكن أن يكون هو حين الاستكمال منشأ لفساد ذاتها لكونها مجرّدة حينئذ.
اللهمّ إلّا أن يكون أراد أنّها حين حدوثها ، وإن كانت مجرّدة بالذات ، لكنّها محتاجة إلى البدن في أفعالها ، فلذلك استلزم استعداده إيّاها لحدوث ذاتها لأجل المناسبة التي بينهما ، وأمّا هي بعد الاستكمال ، فكما كانت مباينة الذات للبدن ، كذلك تصير مباينة له بحسب الأفعال أيضا ، فلا مناسبة ولا ارتباط بينهما بوجه ، حتى يصير زوال استعداده منشأ لفساد ذاتها ، وعلى هذا ، وإن امكن أن يكون لما ذكره وجه ، إلّا أنّه يرد عليه أنّه على هذا التوجيه يرجع إلى الجواب الذي ذكره المحقّق الطوسي ، وفصّلنا بيانه ، فليس جوابا آخر كما هو ظاهر كلامه.
وأيضا نقول : إنّه يكفي لعدم استلزام زوال استعداد البدن لزوال النفس من حيث الذات ، كونها مباينة للبدن بحسب الذات كما بيّناه ، فاعتبار كونها مباينة له بحسب الفعل أيضا ـ مع أنّه غير واضح ـ ممّا لا احتياج إليه في إثبات المطلوب ، وإن كانت المباينة