بذلك أتمّ وعدم الاستلزام أظهر.
كيف ولو قيل بأنّ المباينة بحسب الفعل التي منشؤها الاستكمال المذكور ، لها مدخل في عدم ذلك الاستلزام ، وفي بقاء النفس ، لكان الدليل على بقاء النفس مخصوصا بالنفس التي حصل لها الاستكمال ، ولا يجري في النفوس التي لم يحصل لها الاستكمال ، والحال أنّ ظاهر كلام من أقام الدليل على عدم فساد النفس بفساد البدن ، هو العموم بحيث يشمل النفوس الغير الكاملة أيضا كنفوس الصبيان والبله والمجانين وأمثالها.
اللهمّ إلّا أن يكون قد أشار بذلك إلى أنّ هذا الدليل على بقاء النفس إنّما يجري في بقاء نفوس المستكملين في كمالاتها دون غيرهم كما سيأتي أنّ بقاء نفوس غير المستكملين محلّ خلاف بين الحكماء ، إلّا أنّ هذه الإشارة أيضا فيها شيء ، لأنّه في الشواهد الربوبيّة قال ببقاء نفوس غير المستكملين أيضا ، كما يظهر على من راجع كلامه ، والحال أنّ عمدة الدليل عندهم على بقاء النفس الإنسانيّة ، هو هذا الدليل الذي هو على توجيه مخصوص بالمستكملين ، وكفاك شاهدا على قوله ببقاء نفوس غير المستكملين أيضا ما نقلنا عنه سابقا في جواب ذلك الاعتراض ، حيث قال : فالجواهر النطقية بعد وجودها وتجرّدها عن الموادّ ، هي كسائر المفارقات الصوريّة لا ضدّ لها ، إذ لا قابل لها فتبقى ببقاء مبدئها ومعيدها ، ولو لم يكن فيها من المميّزات إلّا شعور كلّ منها بهويّتها لكفى ، فضلا عن الصفات والملكات والأنوار الفائضة عليها من المبادئ ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق القول في ذلك في موضع يليق به.
وإن أراد أنّها حين الاستكمال أيضا يبقى تعلّقها بالبدن ولو كان تعلّقا ضعيفا ، ثمّ يزول بعد ذلك بسبب ما هو منشأ لزوال التعلّق ، فيرد عليه أنّه على هذا يبقى تعلّقها به عند الاستكمال أيضا. فكيف لم يصر فساد البدن بعد ذلك منشأ لفساد ذاتها ، ولو بالعرض ، كما كان في ابتداء التعلّق منشأ لحدوث ذاتها ولو بالعرض.
وقوله : ومثالها كالطفل وحاجته إلى الرحم أوّلا والاستغناء عنه أخيرا ، وكمثال الصيد والحاجة في اصطياده إلى الشبكة أوّلا والاستغناء في بقائه عنها أخيرا ، ففساد الرحم والشبكة لا ينافي بقاء المولود والصيد ولا يضرّه.
هذا المثال إن كان مثالا لما كان بصدده في السابق من أنّ استعداد البدن في الابتداء كان