وكذا تشترك الآيتان في الدلالة على عروض التغيّر والفساد والموت على من في السموات والأرض ، إلّا من شاء الله ، وقد فسّره المفسّرون تارة بالملائكة الأربعة أي جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، وتارة بالشهداء.
وبالجملة فالمراد بمن شاء الله إمّا جماعة من الملائكة المقرّبين أو جمع من النبيّين والصدّيقين. فيصير المعنى أنّ تلك الحالة عند النفخة ، لا تعرض لهؤلاء الملائكة وللشهداء ، فيكون مفاد الآيتين عروض الموت والفناء لكلّ أهل العقل أو لكلّ موجود في السماء والأرض ، غير من شاء الله ، وينبغي أن يفسّر الموت والفناء بالنسبة إلى كلّ أحد وكلّ شيء بما يناسب حاله كما ذكر سابقا.
ومنها قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). (١)
وهذه الآية لو اريد بها العموم الحقيقي بحيث يشمل كلّ شيء ممّا سواه تعالى حتّى ما دلّ الدليل على بقائه أيضا كالصادر الأوّل ، والنشأة الاخرويّة بما فيها والنفوس المجرّدة الإنسانيّة وغيرها ، فينبغي أن تتأوّل الآية بما أوّلها بعضهم من أنّه لعلّ المراد بالهلاك ضعف الوجود وليسيّة الماهيّات الممكنة في أنفسها ، يعني أنّ كلّ شيء بحسب وجوده الفائض عليه ضعيف ناقص ليس وجوده تامّا كاملا ، حيث إنّه لو فرض انقطاع فيض الوجود عنه ولو آنا مّا ، لا نعدم وفني إلّا وجهه أي إلّا من جهة إفاضته تعالى الوجود عليه ، فإنّه بهذه الجهة يكون موجودا باقيا ، وبعبارة اخرى أنّ كلّ موجود من الموجودات وكلّ ماهيّة من الماهيّات الممكنة من حيث إنّه ممكن في ذاته ، فهو قابل لطريان العدم عليه ، كما أنّه قابل لطريان الوجود عليه ، فهو بالنظر إلى ذاته وماهيّته ممكن هالك ، ليس له وجود ، بل إنّما وجود من جهة ارتباطه بجاعله ومفيض الوجود عليه.
والحاصل أنّه على تقدير إرادة العموم الحقيقي من كلّ شيء ، ينبغي إرادة أنّ المراد بالهلاك ، الهلاك في مرتبة الذات ، لا الهلاك بالفعل الطارئ بعد الوجود.
وأمّا لو اريد بكلّ شيء العموم في الجملة ، بحيث يعمّ كلّ شيء عدا ما استثني ، لأمكن إرادة الهلاك بالفعل منه ، ويكون المعنى أنّ كلّ شيء سوى ما دلّ الدليل على بقائه ، يعرض له الهلاك والموت بالمعنى الذي يناسب حاله ، كما ذكر سابقا حتّى الملائكة أيضا ، أمّا
__________________
(١) القصص : ٨٨.