غير الملائكة الأربعة والشهداء كما دلّت الآيتان السابقتان عليه ، فهو إن كان من غير الملائكة من الجنّ والإنس وغيرهم فعروض الهلاك على بعضهم الذين لم يكونوا باقين عند النفخة الاولى ، يكون قبل النفخة الاولى بموتهم قبلها ، وعلى بعضهم الباقين عندها ، يكون عندها ، كما يكون عروض ذلك على غيرهم من السماء والأرض والجبال والبحار وأمثالها ، ممّا كانت باقية عند النفخة الاولى عندها أيضا ، كما دلّت عليه الآيات السابقة ، وإن كان من الملائكة غير من شاء الله فعروضه عليهم أيضا يكون عندها أيضا كما دلّت عليه الآيتان السابقتان. وأمّا من شاء الله فإن لم نقل بعروض الهلاك عليهم أصلا كما هو مفاد الآيتين ، فينبغي تخصيص (كُلُّ شَيْءٍ) في قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ) بغيرهم أيضا ولا محذور فيه. وإن قلنا بهلاكهم كما يدلّ عليه عموم (كُلُّ شَيْءٍ) في الآية ، فينبغي أن يقال بأنّه يجوز أن يطرأ عليهم الموت أيضا بعد موت الملائكة غيرهم ، وإن كانت البعدية آنا مّا ، وكذلك الهلاك آنا مّا.
وعلى التقادير فينبغي أن يراد بهلاك الملائكة انقطاع علاقة نفوسهم الشريفة عن أبدانهم اللطيفة ، لا انعدامهم بالمرّة. وهذا الذي ذكرنا ، هو وجه التأويل في قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ويظهر منه أنّه لا دليل فيه على انعدام النشأة الاخرويّة ، ولو آنا مّا كما تمسّك به من قال به وإنّ ما ذكره بعضهم من حمل (كُلُّ شَيْءٍ) على العموم الحقيقي ، وحمل الهلاك على الهلاك بالفعل ، وحمل الآية على أن كلّ شيء يعرض له الموت والفناء قبل قيام الساعة ولو آنا مّا فيعاد بعده ، ليس بواضح. وبالجملة الهلاك والفناء وأمثالهما من الألفاظ ليست بصريحة في الانعدام بالمرّة ، بل يمكن حملها على الهلاك والفناء الذي يناسب حال ذلك الفاني والهالك كما ذكرنا سابقا ، فتأمّل.
ومنها قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) ، (١)
وبيان كيفيّة دلالة هذه الآية يحتاج إلى تفسير معنى الأوّل والآخر في شأنه تعالى أوّلا حتّى يستبين ذلك ، حيث إنّ الأوليّة والآخريّة اللتين أطلقنا على ذاته تعالى ، سواء اريد بهما الأوّليّة والآخريّة الحقيقيّتين كما في الآية أو أعمّ منهما ومن الإضافيّتين ، معناهما التقدّم والتأخّر.
__________________
(١) الحديد : ٣.