أو بالطبع ، وتقدّم نفس الوجود على الوجود تقدّم بالحقيقة.
وحيث عرفت ما ذكرنا من تفسير الأوّل والآخر في شأنه تعالى ، فاعلم أنّه موافق لما ورد من بعض كلمات المعصومين عليهمالسلام كقولهم في الأدعية المأثورة عنهم : «يا كائنا قبل كلّ شيء ، يا كائنا بعد كلّ شيء ، يا حيّ قبل كلّ حيّ ، ويا حيّ بعد كلّ حيّ ، يا حيّ حين لا حيّ ، يا حيّ يبقى ويفنى كلّ حيّ ، يا ذا الذي كان قبل كلّ شيء ، ثمّ خلق كلّ شيء ، ثم يبقى ويفنى كلّ شيء».
وكذا هو مطابق للتفسير الذي ذكره العلماء. قال الشيخ الطوسي رحمهالله في تفسير قوله تعالى في سورة الحديد هو الأوّل : القديم السابق لجميع الموجودات بما لا يتناهى من الأوقات أو تقدير الأوقات. والآخر الذي يبقى بعد فناء كلّ شيء. ـ انتهى. (١)
وقال بعض أجلّة العلماء رحمهالله ما مضمونه : إنّ معنى الأوّل في حقّه تعالى أنّه قبل كلّ شيء ، وليس قبله أو في مرتبة وجوده شيء ومعنى الآخر في حقّه تعالى أنّه ليس بعده شيء ، وكلاهما من الصفات السلبيّة. ـ انتهى.
وحيث عرفت تفسير الأوّل والآخر في حقّه تعالى ، وعرفت أنّ معنى الآخر في حقّه سبحانه أنّه هو الذي يبقى ويفنى غيره ، عرفت أنّ معنى هذه الآية الكريمة آئل من بعض الوجوه إلى معنى الآية السابقة ، وهي قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) إلّا أنّه يمكن في تلك الآية السابقة التأويل بكلا الوجهين اللذين ذكرناهما ، وأمّا في هذه الآية فلا يستقيم التأويل إلّا بالوجه الأخير ، لأنّ المتبادر من فناء غيره فناؤه بالفعل ، كما دلّت عليه الآيات والأخبار أيضا ، لا الفناء في مرتبة ذاته.
وحيث كان المراد ، هو الفناء بالفعل الشامل بإطلاقه لفناء كلّ شيء غيره تعالى ـ كما هو الظاهر ـ فينبغي أن يخصّص هذا العموم أيضا بما سوى ما دلّ الدليل على بقائه ، وقلنا إنّه مستثنى من العموم. والله تعالى يعلم حقيقة الحال.
ومنها قوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ). (٢)
وهذا لا يدلّ على فناء المخاطبين بالمرّة ، بناء على أنّهم في حال البدء كما لم يكونوا
__________________
(١) تفسير التبيان ٩ : ٥١٨ ؛ تفسير مجمع البيان ٩ : ٢٣٠.
(٢) الأعراف : ٢٩.