فلا يصحّ ثبوتها لمن لا هويّة له قطعا. (١) وكما قد ادّعى تلك البداهة بعض من الفضلاء أيضا ، ونبّه على ذلك بأنّه نظير الطفرة في المكان ، وكما أنّ تعلّق الجسم بمكان ثمّ تعلّقه بمكان ثالث من غير أن يتعلّق بمكان ثان بين المكانين محال بالبديهة ، حيث يلزم منه وجوده في مكان أوّل ، ثم انعدامه في المكان الثاني ، ثم وجوده في مكان ثالث ، وهذا محال بالبديهة ، كذلك تعلّق شيء موجود بزمان أي وجوده فيه ثمّ انعدامه في زمان آخر بعده ، ثمّ تعلّقه بزمان ثالث أي وجوده فيه ، محال بالبديهة. ولا يخفى عليك وقع النظير والتنبيه.
ثمّ إنّه لا يخفى أنّه لا يرد على الحكم بالبداهة الاعتراض الذي نقله الفاضل الأحساوي عن بعضهم ، حيث قال : واعترض عليه بأنّ تجويز نقيضه يمنع من كونه ضروريّا ، فإنّ الشيء مع جواز النقيض لا يصحّ أن يكون ضروريا.
وحاصل الاعتراض أنّ الحكم البديهي كيف يكون مختلفا فيه بين العقلاء كما فيما نحن فيه.
وبيان عدم الورود أنّ الحكم البديهي ، قد يكون خفيّا لعدم تصوّر الأطراف أو لخفائه ، ولذلك ربّما أمكن أن يكون مختلفا فيه بين العقلاء ، وأمّا بعد تصوّر أطرافه فيكون بداهة ذلك الحكم ظاهرة لا سترة فيها ، خصوصا بعد ذكر المنبّه عليه.
ولا يخفى أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل ولا أظنّك أن تكون في مرية من هذا إن خلّيت ونفسك. والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
وهذا الذي ذكرناه كلّه إنّما هو تحرير ما في الشفاء ، وبما حرّرنا كلامه في الدليل الأوّل يعلم تحرير ما ذكره في التعليقات في هذا المطلب ، فإنّه عند النظر الدقيق ، لا مخالفة بينهما في أصل المدّعى إلّا في بعض الخصوصيّات ، ولذا لا نبالي بإعادة تحريره.
فنقول : إنّ تحريره أن يقال : إذا وجد شيء وقتا ما ثمّ لم يعدم واستمرّ وجوده في وقت آخر وعلم ذلك أو شوهد ، علم أنّ الموجود واحد ، وأمّا إذا عدم فلا. لأنّه لو كان الموجود ثانيا عين السابق وجاز إعادة المعدوم بعينه ، فلا يخفى أنّه يمكن أن يفرض حينئذ محدث جديد يكون مماثلا للمعاد في الموضوع والحدوث والزمان وغير ذلك ولا يخالفه إلّا بالعدد وإلّا في النسبة التي ينبغي أن تنظر أنّهما هل يمكن أن يختلفا فيها أم لا؟ فليكن
__________________
(١) المجلي : ٤٩٩.