لمّا كان المقصود فيه ذكر حال المكلّفين دلّ على إعادة الأرواح أيضا ، وسيأتي بيان أنّ الحكايات الثلاثة أيضا تدلّ على أنّ المعاد للأرواح والأجسام جميعا ، فانتظر.
وحيث تحقّقت ما فصّلناه بطوله ، فاعلم أنّ ما نقلناه سابقا عن الشارح القوشجي حيث أسند إلى أكثر المتكلّمين القول بجواز إعادة المعدوم بعينه ، وإلى بعضهم وجميع الحكماء القول بامتناعها ، ثمّ أسند إلى القائلين بامتناعها أنّهم لا يقولون بانعدام الأجساد ، بل بتفرّق أجزائها وخروجها عن الانتفاع ، ويأوّلون بذلك الظواهر الواردة في هذا المعنى. ويؤيّده قصّة إبراهيم عليهالسلام يمكن أن يكون الوجه فيما أسنده إليهم من عدم القول بانعدام الأجساد ـ أي بالكلّية ـ مبنيّا على ما فصّلناه على كلّ مذهب من المذاهب المقولة في الجسم كما عرفت وجهه. وأمّا القول بتفرّق أجزائها وخروجها عن الانتفاع ، فوجهه على مذهب المتكلّمين حيث قالوا بأنّ مبادئ الجسم أجزاء لا تتجزّى ظاهر. وكذلك على مذهب الحكماء ، أمّا على مذهب الإشراقيّين منهم ، فيمكن أن يراد به تفرّق قطعات البدن التي تبقى فيها الاتّصالات ، سواء كانت تلك القطعات أجزاء أصليّة من البدن ، أو أصليّة وفرعيّة منه ، وأمّا على مذهب المشّائين منهم فيمكن أن يراد به تفرّق الأجزاء المادّية ، مع أنّه يمكن أن يراد به على هذا المذهب ، بل على المذاهب الاخر أيضا تفرّق الأجزاء الأصليّة التي هي باقية بمادّتها وصورتها كما عرفت.
وعلى كلّ تقدير فإعادة البدن عبارة عن جمع تلك الأجزاء المتفرّقة مرّة اخرى كما كانت أوّلا. ولا يخفى أنّه ممّا لا يأباه العقل عند من يقول بالقادر المختار ، ولا يأباه الشرع أيضا ، بل يدلّ عليه ، لقوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ ، بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ). (١)
وأمّا ما أسند إلى أكثر المتكلّمين ، من تجويز إعادة المعدوم ، فلعلّ القائلين به ذهبوا إلى أنّ الشخص المعاد يوم القيامة يجب أن يكون هو بعينه الشخص المبتدأ في الدنيا ، مع جميع عوارضه ومشخّصاته ، وذهبوا أيضا إلى أنّه ينعدم بالمرّة أو في الجملة ، فلذا جوّزوا إعادة المعدوم بالكليّة ، أو بالجملة بعينه ، ولا يخفى عليك أنّ ذلك كلّه باطل ، أمّا إعادة المعدوم فسيأتي إبطالها ، وأمّا القول بانعدام الجسد بالمرّة ، فقد تبيّن بطلانه على كلّ
__________________
(١) القيامة : ٣ ـ ٤.