مذهب قيل في الجسم ، كما تبيّن بطلان القول بانعدام النفس بالمرّة ، خصوصا على القول بأنّها جوهر مجرّد باق كما هو الحقّ.
وأمّا لزوم كون الشخص المعاد هو بعينه الشخص المبتدأ بجميع عوارضه ، فلأنّه مع كونه ممتنعا ، لما عرفت أنّه ينعدم عنه بعض خصوصيّاته وحالاته البدنيّة البتّة ، والحال أنّ إعادة المعدوم بعينه ممتنعة على ما سيأتي دليله ، لا دليل عليه ، بل الدليل يدلّ على خلافه ، وعلى أنّ بقاء نفسه بعينها التي هي الأصل في تشخّص الشخص مع بقاء الأجزاء الأصليّة من بدنه ، كاف فيما هو منطوق الشرع من المعاد ، حيث إنّ بقاء هذين الأمرين ، هو مناط كون الشخص المعاد ، هو الشخص المبتدأ بعينه ، وأنّه لا يقدح في ذلك المغايرة في بعض الصفات ومن بعض الجهات ، مع المماثلة فيهما على ما سيجيء تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.
وأمّا ما أسنده إلى القائلين بتفرّق الأجزاء وخروجها عن الانتفاع أنّهم يأوّلون بذلك الظواهر الواردة في هذا المعنى. ويؤيّده قصّة إبراهيم عليهالسلام ، فالظاهر أنّ مرادهم من التأويل المذكور أن موت البدن فيما إذا كان متفرّق الأجزاء ، عبارة عن تفرّق الأجزاء ، وإعادته عبارة عن جمعها مرّة اخرى كما كانت أوّلا في الابتداء ، على ما ذكرنا ، وأنّ موت الشخص المكلّف عبارة عن ذلك التفرّق الحاصل في بدنه ، مع قطع تعلّق نفسه عن بدنه ، وأنّ إعادته عبارة عن ذلك الجمع ، مع إعادة تعلّقها به مرّة اخرى ، وهذا التأويل كما يمكن في المكلّف بما ذكرنا ، كذلك يمكن في غير المكلّف أيضا لو قلنا بإعادته كما سيأتي تحقيق القول فيه. فلا اختصاص له بالمكلّف كما يدلّ عليه كلام آخر من الشارح المذكور وعسى أن ننقله فيما بعد.
وبالجملة فهذا التأويل ولا سيّما في المكلّف ، ممّا لا مانع فيه من جهة العقل والنقل بل ربما يدّعى أنه حيث كان ظاهرا من الكتاب الكريم ، كقوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) ـ الآية ـ (١) فليس بتأويل ، بل هو المصير إلى ظاهر الشرع ، إذ التأويل إنّما يطلق في الأكثر على ما هو خلاف الظاهر ، ولو من وجه ، وهذا ليس كذلك ، وكذلك التأييد الذي ادّعاه ظاهر. ويؤيّده أيضا قصّة الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها
__________________
(١) القيامة : ٣.