ـ الآية. (١)
فإن قلت : سلّمنا أنّ في القصّتين تأييدا لما ذكر من أنّ موت البدن عبارة عن تفرّق أجزائه ، وإعادته عبارة عن جمعها مرّة اخرى ، حيث إنّ أربعة من الطير أي الطاوس ، والديك ، والغراب ، والحمامة التي أخذها ابراهيم عليهالسلام وجزّأهنّ وفرّق أجزاءهنّ الأصليّة والفضليّة على كلّ جبل ، ثمّ دعاهنّ بإذن الله تعالى ، فاجتمعت أجزاؤهنّ كما كانت أوّلا وعدن أحياء. فأتينه سعيا. وحيث إنّ حمار عزير (على نبيّنا وعليهالسلام) قد تفرّقت أجزاؤه ونخرت عظامه ، ثمّ اجتمعت تلك الأجزاء وافيضت عليه الصورة اللحمية بإذن الله فعاد حيّا ، كما قال تعالى :
(وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) (٢).
إلّا أنّه ليس في القصّتين تأييد لتمام ما هو المقصود هنا ، وهو أنّ المعاد أي معاد الشخص إنّما يكون بجمع أجزائه البدنيّة المتفرّقة وإعادة نفس ذلك الروح المتعلّق به أوّلا إليه ثانيا ، فإنّ نفوس الحيوانات كما هو المشهور بينهم ، ليست مجرّدة باقية حتّى تعاد تلك النفس مرّة اخرى إلى البدن.
وإن قيل بإيجاد نفس اخرى مثل الاولى للبدن مرّة اخرى ،
قلنا فليس فيه تأييد للمقصود.
وكذلك لو قيل بأنّ في قصّة عزير عليهالسلام تأييدا للمقصود من حيث إنّ الآية تدلّ على إماتته أيضا وإحيائه مرّة اخرى ، والحال أنّ النفس الإنسانيّة ولا سيّما نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله مجرّدة باقية.
قلنا : هذا وإن كان فيه تأييد للمقصود من هذه الجهة ، لكن ليس فيه تأييد له من الجهة الاخرى ، أي تفرّق اجزاء بدنه ثمّ جمعها ثانيا ، حيث إنّ الظاهر في الآية الكريمة وكذا المنقول من القصّة إن كان بدنه عليهالسلام باقيا بمادّته وصورته ، لم يتفرّق أجزاؤه أصلا واعيد إليه روحه الشريفة مرّة اخرى بعد مائة عام كما في قصّة أصحاب كهف حيث إنّ الله تعالى أماتهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ولبثوا في كهفهم تلك المدّة بحيث لم يتغيّر أبدانهم ،
__________________
(١) البقرة : ٢٥٩.
(٢) البقرة : ٢٥٩.