ولم يتفرّق أجزاؤهم وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ، (١) فأحياهم الله تعالى بعد المدّة بإعادة أرواحهم الشريفة إلى أبدانهم الباقية.
قلت : لا شكّ أنّ في قصّة إبراهيم ، وفي قصّة عزير عليهماالسلام تأييدا لما ذكر من أنّ موت البدن يمكن أن يكون بتفرّق أجزائه ، وأنّ إعادته بجمعها مرّة اخرى. وأمّا التأييد لتمام المقصود فيمكن أن يكون لأجل أنّ نفوس تلك الطيور ونفس ذلك الحمار لعلّها كانت باقية بعد تفرّق أجزاء أبدانهنّ ، إذ لا دليل على فناء ذوات نفوس الحيوانات بالمرّة أو بوجه بفناء أبدانهنّ وبتفرّق أجزائها ، سواء قيل بأنّها أجسام عنصريّة أو روحانيّة ، أو قيل بتجرّدها في الجملة ، وإن كان أدون من تجرّد النفس الناطقة الإنسانيّة كما سيأتي تحقيق القول في ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وعلى تقدير تسليم أنّ نفوسهنّ تنعدم بانعدام أجسادهنّ كما احتملناه سابقا من جانب المنكرين للمعاد ، حيث إنّ ظاهرهم أنّ النفوس مطلقا تنعدم بانعدام الأجساد ، سواء قيل بكونها أجساما أو أعراضا حالّة في الأجسام. نقول : لعلّ تأييد القصّتين لما ذكرنا إنّما هو من جهة إماتة البدن وإحيائه خاصّة ، حيث إنّ المنكرين للمعاد كما نطقت بعقائدهم الفاسدة الأخبار والآيات ، إنّما استبعدوا المعاد وظنّوا خلافه لاستبعادهم معاد البدن بعد أن صار عظاما ورفاتا وترابا. وأمّا معاد الروح والنفس فلا يظهر ممّا حكي عنهم في الآيات والأخبار استبعادهم له بتلك المرتبة من الاستبعاد ، بل ادّعى جمهور الحكماء أنّ العقل مستقلّ في إثباته ، فلذا رفع الله في تينك القصّتين استبعادهم له وأشار إلى أنّه كما أنّ الإماتة والإحياء في شأن تلك الطيور وذلك الحمار ، كان بتفريق أجزاء الأبدان ثمّ جمعها مرّة اخرى ، كذلك يكون في شأن غيرهنّ كما في أبدان الإنسان ، وإن صارت عظاما ورفاتا وترابا ، بل احرقت فصارت رمادا وذريت في الرياح العاصفة شمالا وجنوبا وقبولا ودبورا ، فإنّ ذلك الجمع والتفريق ممكن فيها أيضا ، حيث إنّ تلك الأجزاء المتفرّقة من الجسد سواء كانت بحيث تبقى فيها صورها مطلقا كما في شأن تلك الطيور حيث كانت الصورة العظميّة واللحميّة والريشيّة باقية فيها ، أو تبقى في الجملة كما في شأن
__________________
(١) وهم رقود : واعلم تعلّق النفس بالبدن باقية في حال الرقود ولا معنى للإعادة والإعادة إنّما هي بعد الموت وزوال التعلّق كما لا يخفى. والبرهان يدلّ على تجرّد النفوس الحيوانيّة تجرّدا برزخيا.