في عالم آخر هو عالم المثال ، كما تبيّن حاله.
وأمّا وجه كون الصورة المرئيّة فيه تارة موافقة لما في الخارج ، كما في الرؤيا الصادقة ، وتارة غير موافقة كما في الرؤيا الكاذبة ، فكأنّه لأجل أنّ النفس إذا كانت صافية من شوب كدورات الطبيعة ، فبصرها الذي لها في بدنها المثاليّ صحيحة ، فهي ترى بتلك العين الصحيحة الأشياء على ما هي عليها ، وإن لم تكن صافية عن ذلك ، فعينها التي لها في ذلك البدن عليلة ، وهي ترى بتلك العين العليلة الأشياء على خلاف ما هي عليه كما في العين الظاهريّة للأحول مثلا.
وهذا الذي ذكرنا هو إشارة إجماليّة إلى الرؤيا الصادقة والكاذبة ، ولتفصيلها مقام آخر يطول بذكره الباب. وبما ذكرنا يتمّ الشهادة ، وبه يظهر سرّ ما ورد من تشبيه حالة البرزخ بحالة الرؤيا وأنّ النوم أخو الموت ، وإن كان بين الحالتين فرق ما ، حيث إنّ مفارقة النفس عن البدن في الموت مفارقة تامّة وفي النوم مفارقة في الجملة ، وبهذا الاعتبار أيضا يكون هذا الشاهد شاهدا على المطلوب ، فتبصّر.
ثمّ إنّه ربّما عدّ بعض القائلين بهذا القول من الشواهد عليه ما يحكى من أنّ السفلة والأوباش إذا قتلوا إنسانا وأحرقوه في أتّون الحمّام ، فكثيرا ما يشاهد في سطح الماء الذي في خزينة ذلك الحمّام شبح مثل صورة إنسان ، ويرى ذلك فيه ما دام ذلك الماء ساكنا غير متحرّك ، وذلك قد جرّب كثيرا ، ولذلك كان ديدن الحمّاميّ وصاحب ذلك الحمّام أن يحتاط في ذلك ويلاحظ لكي يعلم أنّه في تلك الليلة هل أحرق في أتّون الحمّام إنسان أم لا؟ وما ذلك الشبح إلّا قالبا مثاليّا لذلك الشخص المحترق تعلّق نفسه به بعد مفارقتها عن قالبها العنصريّ. ونحن أيضا قد سمعنا ذلك في عصرنا وهو ـ على تقدير الوقوع ـ لا يخفى أنّه ممّا يمكن أن يكون شاهدا على المطلوب.
ثمّ إنّه ممّا يؤيّد هذا المطلوب ، ويكون شاهدا عليه ما نقل أنّه روى بعض الأعاظم من العلماء كالسيّد الداماد طاب ثراه في «الجذوات» : «أنّ مظهر العجائب ومظهر الغرائب سيّد الوصيّين عليّ بن أبي طالب عليه وعلى أولاده المعصومين أجمعين سلام الله تعالى إلى يوم الدين كان ليلة من ليالي شهر الله الأعظم شهر رمضان ضيفا لعدّة من الصحابة ، وأفطر